فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (18)

( شهد الله ) أي بين الله وأعلم ، قال الزجاج الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبين ، وقال أبو عبيدة شهد الله بمعنى قضى أي أعلم قال ابن عطية وهذا مردود من جهات ، وقيل إنها شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله ووحيه بشهادة الشاهد في كونها مبينة .

( أنه لا إله إلا هو ) سئل بعض الأعراب ما الدليل على وجود الصانع فقال إن البعرة تدل على البعير ، وآثار القدم تدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلي بهذه الكثافة ، أما يدلان على وجود الصانع الخبير ، وفي القرآن من دلائل التوحيد كثير طيب ، وهو دليل على فضل علم أصول الدين وشرف أهله .

( والملائكة ) عطف على الاسم الشريف وشهادتهم إقرارهم بأنه لا إله إلا هو ( وأولوا العلم ) معطوف أيضا على ما قبله وشهادتهم بمعنى الإيمان منهم وما يقع من البيان للناس على ألسنتهم ، وعلى هذا لا بد من حمل الشهادة على معنى يشمل شهادة الله وشهادة الملائكة وأولي العلم{[311]} .

وقد اختلف في أولي العلم هؤلاء من هم فقيل هم الأنبياء وقيل المهاجرون والأنصار ، قاله السدى والكلبي وهو الحق إذ لا وجه للتخصيص ، وفي ذلك فضيلة لأهل العلم جليلة ومنقبة نبيلة لقرنهم باسمه واسم ملائكته .

و المراد بأولي العلم هنا علماء الكتاب والسنة وما يتوصل به إلى معرفتها إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة .

( قائما بالقسط ) بالعدل في جميع أموره أو مقيما له ، وانتصاب قائما على الحال من الاسم الشريف ، قال جعفر الصادق : الأولى وصف وتوحيد والآتية رسم وتعليم أي قولوا ( لا إله إلا هو ) وقيل كرره للتأكيد ، وفائدة تكريرها الإعلام بأن هذه الكلمة أعظم الكلام وأشرفه ، ففيه حث للعباد على تكريرها والاشتغال بها فإنه من اشتغل بها فقد اشتغل بأفضل العبادات ، وقوله ( العزيز الحكيم ) لتقرير معنى الوحدانية .


[311]:وروى ابن السائب أن حبرين من أحبار الشام قدما النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه:ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة. فقالا:انت محمد. قال: نعم. قالا:واحمد. قال:نعم. قالا:نسألك عن الشهادة فأن أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك. فقال:سلاني. فقالا:اخبرنا عن أعظم شهادة في كتب الله.... فنزلت هذه الآية. فأسلما.