البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (18)

{ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط } .

« سبب نزولها أن حبرين من الشام قدما المدينة ، فقال أحدهما للآخر : ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان ، ثم عرفا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنعت ، فقالا : أنت محمد ؟ قال : » نعم « .

فقالا : أنت أحمد ؟ فقال : » نعم « .

فقالا : نسألك عن شهادة إن أخبرتنا بها آمنا .

فقال : » سلاني « فقال أحدهما : أخبرنا عن أعظم الشهادة في كتاب الله ، فنزلت وأسلما .

» وقال ابن جبير : كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً ، فلما نزلت هذه الآية خرت سجدا .

وقيل : نزلت في نصارى نجران لما حاجوا في أمر عيسى .

وقيل : في اليهود والنصارى لما تركوا اسم الإسلام وتسموا باليهودية والنصرانية .

وقيل : إنهم قالوا : ديننا أفضل من دينك ، فنزلت .

وأصل : شهد ، حضر ، ثم صرفت الكلمة في أداء ما تقرر علمه في النفس ، فأي وجه تقرر من حضور أو غيره .

فقيل : معنى : شهد ، هنا : أعلم .

قاله المفضل وغيره ، وقال الفرّاء ، وأبو عبيدة : قضى ، وقال مجاهد : حكم ، وقيل : بين .

وقال ابن كيسان : شهد بإظهار صنعه .

وفي كل شيء له آية ***

تدل على أنه الواحد

قال الزمخشري : شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره ، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص ، وآية الكرسي وغيرهما .

بشهادة الشاهد في البيان والكشف ، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك ، واحتجاجهم عليه . انتهى .

وهو حسن .

وقال المروزي : ذكر شهادته سبحانه على سبيل التعظيم لشهادة من ذكر بعده ، كقوله : { قل الأنفال لله والرسول } انتهى .

ومشاركة الملائكة وأولي العلم لله تعالى في الشهادة من حيث عطفا عليه لصحة نسبة الإعلام ، أو صحة نسبة الإظهار والبيان ، وإن اختلفت كيفية الإظهار والبيان من حيث أن إظهاره تعالى بخلق الدلائل ، وإظهار الملائكة بتقريرها للرسل ، والرسل لأولي العلم .

وقال الواحدي : شهادة الله بيانه وإظهاره ، والشاهد هو العالم الذي بيّن ما علمه ، والله تعالى بيّن دلالات التوحيد بجميع ما خلق ، وشهادة الملائكة بمعنى الإقرار كقوله :

{ قالوا شهدنا على أنفسنا } أي : أقررنا .

فنسق شهادة الملائكة على شهادة الله ، وإن اختلفت معنىً ، لتماثلهما لفظاً .

كقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } لأنها من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار والداعاء وشهادة أولي العلم ويحتمل الإقرار ويحتمل التبيين ، لأنهم أقرّوا وبينوا . انتهى .

وقال المؤرج : شهد الله ، بمعنى : قال الله ، بلغة قيس بن غيلان .

و { أولوا العلم } قيل : هم الأنبياء .

وقيل : مؤمنو أهل الكتاب .

وقيل : المهاجرون والأنصار .

وقيل : علماء المؤمنين .

وقال الحسن : المؤمنون .

والمراد بأولي العلم : من كان من البشر عالماً ، لأنهم ينقسمون إلى : عالم وجاهل ، بخلاف الملائكة .

فإنهم في العلم سواء .

و { أنه لا إله إلا هو } : مفعول : شهد ، وفصل به بين المعطوف عليه والمعطوف ، ليدل على الاعتناء بذكر المفعول ، وليدل على تفاوت درجة المتعاطفين ، بحيث لا ينسقان متجاورين .

وقدم الملائكة على أولي العلم من البشر لأنهم الملأ الأعلى ، وعلمهم كله ضروري ، بخلاف البشر ، فإن علمهم ضروري وإكتسابي .

وقرأ أبو الشعثاء : شهد ، بضم الشين مبنياً للمفعول ، فيكون : أنه ، في موضع البدل أي : شهد وحدانية الله وألوهيته .

وارتفاع : الملائكة ، على هذه القراءة على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والملائكة وأولو العلم يشهدون .

وحذف الخبر لدلال المعنى عليه ، ويحتمل أن يكون فاعلاً بإضمار فعل محذوف لدلالة شهد عليه ، لأنه إذا بني الفعل للمفعول فإنه قبل ذلك كان مبنياً للفاعل ، والتقدير : وشهد بذلك الملائكة وأولو العلم .

وقرأ أبو المهلب ، عم محارب بن دثار : شهداء الله ، على وزن : فعلاء ، جمعاً منصوباً .

قال ابن جني : على الحال من الضمير في المستغفرين .

وقيل : نصب على المدح ، وهو جمع شهداء ، وجمع شاهد : كظرفاء وعلماء .

وروي عنه ، وعن أبي نهيك : شهداء الله ، بالرفع أي : هم شهداء الله .

وفي القراءتين : شهداء ، مضاف إلى اسم الله .

وروي عن أبي المهلب : شهد بضم الشين والهاء ، جمع : شهيد ، كنذير ونذر ، وهو منصوب على الحال ، واسم الله منصوب .

وذكر النقاش : أنه قرئ كذلك بضم الدال وبفتحها مضافاً لاسم الله في القراءتين .

وذكر الزمخشري ، أنه قرئ : شهداء لله ، برفع الهمزة ونصبها ، وبلام الجر داخلة على اسم الله ، فوجه النصب على الحال من المذكورين ، والرفع على إضمارهم ، ووجه رفع الملائكة على هاتين القراءتين عطفاً على الضمير المستكن في شهداء ، وأجاز ذلك لوقوع الفاصل بينهما .

وتقدم توجيه رفع الملائكة إما على الفاعلية ، وإما على الابتداء .

وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه بإدغام : واو ، وهو في : واو ، والملائكة .

وقرأ ابن عباس : { أنه لا إله إلاَّ هو } بكسر الهمزة في : أنه ، وخرج ذلك على أنه أجرى : شهد ، مجرى : قال ، لأن الشهادة في معنى القول ، فلذلك كسر إن ، أو على أن معمول : شهد ، هو { ان الدين عند الله الإسلام }

ويكون قوله : { أنه لا إله إلاَّ هو } جملة اعتراض بين المعطوف عليه والمعطوف ، إذ فيها تسديد لمعنى الكلام وتقوية ، هكذا خرجوه والضمير في : أنه ، يحتمل أن يكون عائداً على : الله ، ويحتمل أن يكون ضمير الشأن ، ويؤيد هذا قراءة عبد الله { شهد الله أن لا إله إلا هو } ففي هذه القراءة يتعين أن يكون المحذوف إذا خففت ضمير الشأن ، لأنها إذا خففت لم تعمل في غيره إلاَّ ضرورة ، وإذا عملت فيه لزم حذفه .

قالوا : وانتصب : { قائماً بالقسط } على الحال من اسم الله تعالى ، أو من : هو ، أو من الجميع ، على اعتبار كل واحد واحد ، أو على المدح ، أو صفة للمنفي ، كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلاَّ هو .

أو : على القطع ، لأن أصله : القائم ، وكذا قرأ ابن مسعود ، فيكون كقوله : { وله الدين واصباً } أي الواصب .

وقرأ أبو حنيفة : قيما ، وانتصابه على ما ذكر .

وذكر السجاوندي : أن قراءة عبد الله : قائم ، فأما انتصابه على الحال من اسم الله فعامها شهد ، إذ هو العامل في الحال ، وهي في هذا الوجه حال لازمة ، لأن القيام بالقسط وصف ثابت لله تعالى .

وقال الزمخشري : وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه ، أي : من الله ، كقوله { وهو الحق مصدقاً } انتهى .

وليس من الحال المؤكدة ، لأنه ليس من باب : { ويوم يبعث حياً } ولا من باب : أنا عبد الله شجاعاً .

فليس { قائماً بالقسط } بمعنى : شهد ، وليس مؤكداً مضمون الجملة السابقة في نحو : أنا عبد الله شجاعاً ، وهو زيد شجاعاً .

لكن في هذا التخريج قلق في التركيب ، إذ يصير كقولك : أكل زيد طعاماً وعائشة وفاطمة جائعاً .

فيفصل بين المعطوف عليه والمعطوف بالمفعول ، وبين الحال وذي الحال بالمفعول والمعطوف ، لكن بمشيئة كونها كلها معمولة لعامل واحد ، وأما انتصابه على الحال من الضمير الذي هو : هو ، فجوّزه الزمخشري وابن عطية .

قال الزمخشري : فإن قلت : قد جعلته حالاً من فاعل : شهد ، فهل يصح أن ينتصب حالاً من : هو ، في : { لا إله إلاَّ هو } ؟

قلت : نعم ! لأنها حال مؤكدة ، والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها ، كقوله : أنا عبد الله شجاعاً . انتهى .

ويعني .

أن الحال المؤكدة لا يكون العامل فيها النصب شيئاً من الجملة السابقة قبلها ، وإنما ينتصب بعامل مضمر تقديره : أحق ، أو نحوه مضمراً بعد الجملة ، وهذا قول الجمهور .

والحال المؤكدة لمضمون الجملة هي الدالة على معنى ملازم للمسند إليه الحكم ، أو شبيه بالملازم ، فإن كان المتكلم بالجملة مخبراً عن نفسه ، فيقدر الفعل : أحق ، مبنياً للمفعول ، نحو : أنا عبد الله شجاعاً ، أي : أحق شجاعاً .

وإن كان مخبراً عن غيره نحو : هو زيد شجاعاً ، فتقديره : أحقه شجاعاً .

وذهب الزجاج إلى أن العامل في هذه الحال هو الخبر بما ضمن من معنى المسمى ، وذهب ابن خروف إلى أنه المبتدأ بما ضمن من معنى التنبيه .

وأما من جعله حالاً من الجميع ، على ما ذكر ، فرد بأنه لو جاز ذلك لجاز : جاء القوم راكباً ، أي : كل واحد منهم .

وهذا لا تقوله العرب .

وأما انتصابه على المدح ، فقال الزمخشري : فإن قلت أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة ، كقولك : الحمد لله الحميد ، « إنا معشر الأنبياء لا نورث »

إنا بني نهشل لا ندعى لأب ؟ *** قلت : قد جاء نكرة في قول الهذلي :

ويأوي إلى نسوة عطل *** وشعثاً مراضيع مثل السعالي

انتهى سؤاله وجوابه .

وفي ذلك تخليط ، وذلك أنه لم يفرّق بين المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم ، وبين المنصوب على الاختصاص ، وجعل حكمهما واحداً ، وأورد مثالاً من المنصوب على المدح وهو : الحمد لله الحميد ، ومثالين في المنصوب على الاختصاص وهما : « إنا معشر الأنبياء لا نورث »

إنا بني نهشل لا ندعى لأب *** والذي ذكر النحويون أن المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم قد يكون معرفة ، وقبله معرفة يصلح أن يكون تابعاً لها ، وقد لا يصلح ، وقد يكون نكرة كذلك ، وقد يكون نكرة وقبلها معرفة ، فلا يصلح أن يكون نعتاً لها نحو قول النابغة :

أقارعُ عوفٍ لا أحاولُ غيرَها *** وجوهَ قرودٍ يبتغي من يخادعُ

فانتصب : وجوهَ قرودٍ ، على الذم .

وقبله معرفة وهو قوله : أقارع عوف .

وأما المنصوب على الاختصاص فنصبوا على أنه لا يكون نكرة ولا مبهماً ، ولا يكون إلاَّ معرفاً بالألف واللام ، أو بالإِضافة ، أو بالعلمية ، أو بأي ، ولا يكون إلاَّ بعد ضمير متكلم مختص به ، أو مشارك فيه ، وربما أتى بعد ضمير مخاطب .

وأما انتصابه على أنه صفة للمنفي فقال الزمخشري .

فإن قلت : هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلا هو ؟

قلت : لا يبعد ، فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف ، ثم قال : وهو أوجه من انتصابه عن فاعل : شهد ، وكذلك انتصابه على المدح . انتهى .

وكان قد مثل في الفصل بين الصفة والموصوف بقوله : لا رجل إلاَّ عبد الله شجاعاً .

ويعني أن انتصاب : قائماً ، على أنه صفة لقوله : إله ، أو لكونه انتصب على المدح أوجه من انتصابه على الحال من فاعل : شهد ، وهو الله .

وهذا الذي ذكره لا يجوز ، لأنه فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي ، وهو المعطوفان اللذان هما : الملائكة وأولو العلم ، وليسا معمولين من جملة { لا إله إلا الله } بل هما معمولان : لشهد ، وهو نظير : عرف زيد أن هنداً خارجة وعمرو وجعفر التميمية .

فيفصل بين هنداً والتميمية بأجنبي ليس داخلاً فيما عمل فيها ، وفي خبرها بأجنبي وهما : عمرو وجعفر ، المرفوعان بعرف ، المعطوفان على زيد .

وأما المثال الذي مثل به وهو : لا رجل إلاَّ عبد الله شجاعاً ، فليس نظير تخريجه في الآية ، لأن قولك : إلاَّ عبد الله ، يدل على الموضع من : لا رجل ، فهو تابع على الموضع ، فليس بأجنبي .

على أن في جواز هذا التركيب نظراً ، لأنه بدل ، و : شجاعاً ، وصف ، والقاعدة أنه : إذا اجتمع البدل والوصف قدم الوصف على البدل ، وسبب ذلك أنه على نية تكرار العامل على المذهب الصحيح ، فصار من جملة أخرى على المذهب .

وأما انتصابه على القطع فلا يجيء إلاَّ على مذهب الكوفيين ، وقد أبطله البصريون .

والأولى من هذه الأقوال كلها أن يكون منصوباً على الحال من اسم الله ، والعامل فيه : شهد ، وهو قول الجمهور .

وأما قراءة عبد الله : القائم بالقسط ، فرفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو القائم بالقسط .

قال الزمخشري وغيره : إنه بدل من : هو ، ولا يجوز ذلك ، لأن فيه فصلاً بين البدل والمبدل منه بأجنبي .

وهو المعطوفان ، لأنهما معمولان لغير العامل في المبدل منه ، ولو كان العامل في المعطوف هو العامل في المبدل منه لم يجز ذلك أيضاً ، لأنه إذا اجتمع العطف والبدل قدم البدل على العطف ، لو قلت جاء زيد وعائشة أخوك ، لم يجز .

إنما الكلام : جاء زيد أخوك وعائشة .

وقال الزمخشري فإن قلت : لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه ، ولو قلت : جاءني زيد وعمر وراكباً لم يجز ؟

قلت : إنما جاز هذا لعدم الإلباس ، كما جاز في قوله : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة } إن انتصب : نافلة ، حالاً عن : يعقوب ، ولو قلت : جاءني زيد وهند راكباً ، جاز لتميزه بالذكورة .

انتهى كلامه .

وما ذكر من قوله في : جاءني زيد وعمرو راكباً ، أنه لا يجوز ليس كما ذكر ، بل هذا جائز ، لأن الحال قيد فيمن وقع منه أو به الفعل ، أو ما أشبه ذلك ، وإذا كان قيداً فإنه يحمل على أقرب مذكور ، ويكون راكباً حالاً مما يليه ، ولا فرق في ذلك بين الحال والصفة ، لو قلت : جاءني زيد وعمرو الطويل .

لكان : الطويل ، صفة : لعمرو ، ولا تقول : لا تجوز هذه المسألة ، لأنه يلبس بل لا لبس في هذا ، وهو جائز فكذلك الحال .

وأما قوله : في : نافلة ، إنه انتصب حالاً عن : يعقوب ، فلا يتعين أن يكون حالاً عن : يعقوب ، إذ يحتمل أن يكون : نافلة ، مصدراً كالعافية والعاقبة .

ومعناه : زيادة ، فيكون ذلك شاملاً لإسحاق ويعقوب ، لأنهما زيدا لإبراهيم بعد ابنه إسماعيل وغيره ، إذ كان إنما جاء له إسحاق على الكبر ، وبعد أن عجزت سارة وأيست من الولادة ، وأولاد إبراهيم غير إسماعيل وإسحاق مديان ، ويقال : مدين ، ويشناق ، وشواح ، وهو خاضع ، ورمران وهو محدان ، ومدن ، ويقشان وهو مصعب ، فهؤلاء ولد إبراهيم لصلبه .

والعقب الباقي منهم لإسماعيل وإسحاق لا غير .

قال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بأولي العلم ، الذين عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله ؟

قلت : هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة ، وهم علماء العدل والتوحيد . انتهى .

ويعني بعلماء العدل والتوحيد : المعتزلة ، وهم يسمون أنفسهم بهذا الاسم كما أنشدنا شيخنا الإمام الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله بقراءتي عليه قال : أنشدنا الصاحب أبو حامد عبد الحميد بن هبة بن محمد بن أبي الحديد المعتزلي ببغداد لنفسه :

لولا ثلاث لم أخف صرعتي *** ليست كما قال فتى العبد

أن أنصر التوحيد والعدل في *** كل مقام باذلاً جهدي

وأن أناجي الله مستمتعاً *** بخلوة أحلى من الشهد

وأن أتيه الدهر كبراً على *** كل لئيم أصعر الخدّ

لذاك أهوى لا فتاة ولا *** خمر ولا ذي ميعة نهد

{ لا إله إلا هو العزيز الحكيم } كرر التهليل توكيداً وقيل : الأول شهادة الله ، والثاني شهادة الملائكة وأولي العلم ، وهذا بعيد جدّاً لأنه يؤدّي إلى قطع الملائكة عن العطف على الله تعالى ، وعلى إضمار فعل رافع ، أو على جعلهم مبتدأ ، وعلى الفصل بين ما يتعلق بهم وبين التهليل بأجنبي ، وهو قوله : { قائماً بالقسط } .

وقيل : الأول جار مجرى الشهادة ، والثاني جار مجرى الحكم وقيل : هذا الكلام ينطوي على مقدّمتين ، وهذا هو نتيجتهما ، فكأنه قال : شهد الله والملائكة وأولو العلم وما شهدوا به حق فلا إله إلا هو حق ، فحذف إحدى المقدّمتين للدّلالة عليها ، وهذا التقدير كله لا يساعد عليه اللفظ .

وقال الراغب : إنما كرر { لا إله إلا هو } لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد لأن أكثرها مشارك في ألفاظها العبيد ، فيصح وصفهم بها ، وكذلك وردت ألفاظ التنزيه في حقه أكثر ، وأبلغ ما وصف به من التنزيه : لا إله إلا الله ، فتكريره هنا لأمرين : أحدهما : لكون الثاني قطعاً للحكم ، كقولك : أشهد أن زيداً خارج ، وهو خارج .

والثاني : لئلا يسبق بذكر العزيز الحكيم إلى قلب السامع تشبيه ، إذ قد يوصف بهما المخلوق انتهى .

وقال الزمخشري : صفتان مقرّرتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل ، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر ، الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله . انتهى .

وهو تحويم على مذهب المعتزلة .

وارتفع : العزيز ، على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : والعزيز ، على الاستئناف قيل : وليس بوصف ، لأن الضمير لا يوصف ، وليس هذا بالجمع عليه ، بل ذهب الكسائي إلى أن ضمير الغائب كهذا يوصف .

وجوّزوا في إعراب : العزيز ، أن يكون بدلاً من : هو .

وروي في حديث عن الأعمش أنه قام يتهجد ، فقرأ هذه الآية ، ثم قال : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة ، إن الدين عند الله الإسلام قالها مراراً ، فسئل ، فقال : حدّثني أبو وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى ، أدخِلوا عبدي الجنة »

وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : العزيز ، إشارة إلى كمال القدرة ، و : الحكيم ، إشار ، إلى كمال العلم ، وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلهية إلاَّ معهما ، لأن كونه { قائماً بالقسط } لا يتم إلاَّ إذا كان عالماً بمقادير الحاجات ، فكان قادراً على تحصيل المهمات ، وقدم العزيز في الذكر لأن العلم بكونه تعالى قادراً متقدم على العلم بكونه عالماً في طريق المعرفة الاستدلالية ، وهذا الخطاب مع المستدل .

انتهى كلامه .

/خ22