فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (18)

قوله : { شَهِدَ الله } أي : بين وأعلم . قال الزجاج : الشاهد هو الذي يعلم الشيء ، ويبينه ، فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبيّن ، وقال أبو عبيدة : شهد الله بمعنى قضى ، أي : أعلم . قال ابن عطية : وهذا مردود من جهات ، وقيل : إنها شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله ، ووحيه بشهادة الشاهد في كونها مبنية . وقوله { أنه } بفتح الهمزة . قال المبرد : أي : بأنه ثم حذفت الباء ، كما في أمرتك الخير ، أي : بالخير . وقرأ ابن عباس : «إنه » بكسر الهمزة بتضمين { شهد } معنى " قال " . وقرأ أبو المهلب : «شهداء لله » بالنصب على أنه حال من الصابرين ، وما بعده ، أو على المدح : { والملائكة } عطف على الاسم الشريف ، وشهادتهم إقرارهم بأنه لا إله إلا الله . وقوله : { وَأُوْلُوا العلم } معطوف أيضاً على ما قبله ، وشهادتهم بمعنى الإيمان منهم ، وما يقع من البيان للناس على ألسنتهم ، وعلى هذا لا بدّ من حمل الشهادة على معنى يشمل شهادة الله ، وشهادة الملائكة ، وأولي العلم . وقد اختلف في أولي العلم هؤلاء من هم ؟ فقيل : هم الأنبياء ؛ وقيل : المهاجرون والأنصار ، قاله ابن كيسان . وقيل : مؤمنو أهل الكتاب ، قاله مقاتل . وقيل : المؤمنون كلهم ، قاله السدي ، والكلبي ، وهو الحق إذ لا وجه للتخصيص . وفي ذلك فضيلة لأهل العلم جليلة ، ومنقبة نبيلة ؛ لقربهم باسمه ، واسم ملائكته ، والمراد بأولي العلم هنا : علماء الكتاب ، والسنة ، وما يتوصل به إلى معرفتهما ، إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة .

وقوله : { قَائِمَاً بالقسط } أي : العدل ، أي : قائماً بالعدل في جميع أموره ، أو مقيماً له ، وانتصاب { قائماً } على الحال من الاسم الشريف . قال في الكشاف : إنها حال مؤكدة كقوله : { وَهُوَ الحق مُصَدّقًا } [ البقرة : 91 ] وجاز إفراده سبحانه بذلك دون ما هو معطوف عليه من الملائكة ، وأولي العلم لعدم اللبس ، وقيل : إنه منصوب على المدح . وقيل : إنه صفة لقوله : { إِلَهٍ } أي : لا إله قائماً بالقسط ، إلا هو ، أو هو حال من قوله : { إِلاَّ هُوَ } والعامل فيه معنى الجملة . وقال الفراء : هو منصوب على القطع ؛ لأن أصله الألف ، واللام ، فلما قطعت نصب كقوله : { وَلَهُ الدين وَاصِبًا } [ النحل : 52 ] ويدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود " القائم بالقسط " . وقوله : { لاَ إله إِلاَّ هُوَ } تكرير لقصد التأكيد ؛ وقيل : إن قوله : { أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ } كالدعوى ، والأخيرة كالحكم . وقال جعفر الصادق الأولى وصف ، وتوحيد ، والثانية رسم ، وتعليم . وقوله : { العزيز الحكيم } مرتفعان على البدلية من الضمير ، أو الوصفية لفاعل شهد لتقرير معنى الوحدانية .

/خ20