قوله جلّ ذكره : { شَهِدَ اللهَ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } .
أي عَلِمَ اللهُ وأخبر اللهُ وحَكَمَ اللهُ بأنه لا إله إلا هو ، فهو شهادة الحق للحق بأنه الحق ، وأوَّلُ مَنْ شهد بأنه اللهُ - اللهُ ، فشهد في آزاله بقوله وكلامه وخطابه الأزلي ، وأخبر عن وجوده الأحدي ، وكونه الصمدي ، وعونه القيومي ، وذاته الديمومي ، وجلاله السرمدي ، وجماله الأبدي . فقال : { شَهِدَ اللهُ } ثم في آباده ، " شهد الله " أي بيَّنَ اللهُ بما نَصَبَ من البراهين ، وأثبت من دلائل اليقين ، وأوضح من الآيات ، وأبدى من البينات . فكلُّ جزءٍ من جميع ما خلق وفطر ، ومن كتم العدم أظهر ، وعلى ما شاء من الصفة الذاتية حصل ، من أعيان مستقلة ، وآثار في ( ثاني ) وجودها مضمحلة ، وذوات للملاقاة قابلة ، وصفات في المَحَالِّ متعاقبة - فهو لوجوده مُفْصِح ، ولربوبيته موضِّح ، وعلى قِدَمِه شاهد ، وللعقول مُخْبِر بأنه واحد ، عزيز ماجد ، شهد سبحانه بجلال قَدْره ، وكمال عزه ، حين لا جحد ولا جهود ولا عرفان لمخلوق ولا عقل ، ولا وفاق ، ولا كفر ، ولا حدثان ، ولا غير ، ولا إلحاد ، ولا شِرْك ، ولا فهم ولا فكر ، ولا سماء ولا فضاء ، ولا ظلام ولا ضياء ، ولا وصول للمزدوجات ، ولا فضول باختلاف الآفات .
قوله جلّ ذكره : { وَالمَلاَئِكَةِ } .
لم يؤيِّد شهادته بوحدانيته بشهادة الملائكة بل أسعدهم وأيَّدُهم ، حين وفَّقَهم بشهادة وسدَّدهم ، وإلى معرفة وحدانيته أرشدهم .
قوله جلّ ذكره : { وَأُولُوا العِلْمِ } .
وهم أولياء بني آدم إذ علموا قدرته ، وعرفوا نعت عزته فأكرمهم حيث قرن شهادته بشهادتهم ، فشهدوا عن شهود وتعيين ، لا عن ظن وتخمين ، إن لم يدركوه - اليوم - ضرورة وحِسَّاً ، لم يعتقدوه ظنّاً وحَدْساً ؛ تعرَّف إليهم فعرفوه ، وأشهدهم فلذلك شهدوا ، ولو لم يقُلْ لهم إنه مَنْ هو لَمَا عرفوا مَنْ هو .
ولكنَّ العلماء يشهدون بصحو عقولهم ، والمُوَحِّدُون يشهدون بعد خمودهم ؛ فهم كما قيل :
مُسْتَهْلَكُون بقهر الحق قد هَمَدُوا *** واستُنْطِقُوا بعد افتنائهمُ بتوحيد
فالمُجْرِي عليهم ما يبدو منهم - سواهم ، والقائمُ عنهم بما هم عليه وبه - غيرُهم ، ولقد كانوا لكنهم بانوا ، قال قائلهم :
كتابي إليكم بعد موتي بليلة *** ولم أدرِ أنِّي بعد موتي أكتب
وأولو العلم على مراتب : فَمِنْ عالِم نَعْتُه وفاق ورهبانية ، ومن عالم وصفه فناء وربانية ، وعالم يعرف أحكام حلاله وحرامه ، وعالم يعلم أخباره وسننه وآثاره ، وعالم يعلم كتابه ويعرف تفسيره وتأويله ، ومحكمه وتنزيله ، وعالم يعلم صفاته ونعوته ويستقوي حججه وتوحيده بحديث يخرجه ( . . . . ) ، وعالم لاطفه حتى أحضره ثم كاشفه فقهره ، فالاسم باقٍ ، والعين محو ، والحكم طارق والعبد محق ، قال قائلهم :
بنو حق غدوا بالحق صِرفاً *** فنعت الخلْق فيهمو مستورُ
وليست الإشارة من هذا إلا إلى فنائهم عن إحساسهم ، وعند عِلْمِهم بأنفسهم ، فأما أعمالهم أعيانهم فمخلوقة ، وما يفهم بذواتهم من أحوالهم فمسبوقة ، وذات الحق لا توصف بقبول حدثان ، وصفات ذاته لا تقبل اتصالاً بالغير ولا انفصالاً عن الذات ، تقدَّس الحق عن كل ضدِّ وندِّ ، ووصل وفصل ، وجمع وفرق ، وعين وخلق ، وملك وفلك ، ورسم وأثر ، وعبد وبشر ، وشمس وقمر ، وشخص وغَبَر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.