معاني القرآن للفراء - الفراء  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

وقوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ }

هذا لقول النصارى إنه ابنه ، إذ لم يكن أب ، فأنزل الله تبارك وتعالى عُلُوّا كبيرا { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ } لا أب له ولا أم ، فهو أعجب أمرا من عيسى ، ثم قال : { خَلَقَهُ } لا أن قوله " خلقه " صلة لآدم ؛ إنما تكون الصلات للنكرات ؛ كقولك : رجل خلقه من تراب ، وإنما فسَّر أمر آدم حين ضرب به المثل فقال " خلقه " على الانقطاع والتفسير ، ومثله قوله { مَثَلُ الذين حُمِّلوا التّوْرَاة ثم لم يَحْمِلُوها كَمَثَل الْحِمارِ } ثم قال { يَحْملُ أَسْفَاراً } والأسفار : كتب العلم يحملها ولا يَدْرى ما فيها . وإن شئت جعلت " يحمل " صلة للحمار ، كأنك قلت : كمثل حمار يحمل أسفارا ؛ لأن ما فيه الألف واللام قد يوصل فيقال : لا أمرَّ إلا بالرجل يقول ذلك ، كقولك بالذي يقول ذلك . ولا يجوز في زيد ولا عمرو أن يوصل كما يوصل الحرف فيه الألف واللام .