الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

قوله ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ . . ) ( و )( {[10120]} ) هذا احتجاج على نصارى نجران ، الذين خاصموه في عيسى وقالوا للنبي : بلغنا أنك تذكر صاحبنا ، وتأول( {[10121]} ) أنه عبد ، قالوا له : هل رأيت عيسى ؟ فأنزل الله ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ . . . ) الآية . . أي : خلق هذا من غير ذلك وهذا كذلك .

وقيل : إنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : كل إنسان له أب فما شأن عيسى صلى الله عليه وسلم ليس له أب فأنزل الله عز وجل هذه الآية : وقوله ( خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ) ابتداء( {[10122]} ) المماثلة ، وليس بمتصل بآدم صلى الله عليه وسلم إنما هو تبيين قصة آدم صلى الله عليه وسلم ، لأن الماضي لا يكون حالا( {[10123]} ) .

قوله : ( ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) .

قال بعض أهل المعاني : إن هذا الكلام أتى على خبرين منفصلين ، ولو كان على خبر واحد لكان( {[10124]} ) خلقه له من تراب بغير ( كُن ) ويكون خلقه ب ( كُن )( {[10125]} ) بعد خلقه له من تراب ، وليس الأمر كذلك إنما أخبر تعالى أنه خلق آدم عليه السلام من تراب ثم أخبر آخر أنه قال له : ( كُن ) فكان ، أي : قال له : كن خلقاً من تراب فكان ما أراد لأنه خلق من تراب بغير كن ، فما يصنع بقوله تعالى ( لِمَا خَلَقْتُ( {[10126]} ) [ بيَدَيَّ ]( {[10127]} ) ) ، ثم قال له ( كُن ) بعد خلقه له من تراب على ما أراد بعد قوله كن ، ولهذا نظائر كثيرة( {[10128]} ) .

وأبين هذا أن يكون المعنى : قد قدر خلقه من تراب فلما أراد تعالى ذكره إظهار ما قدر قال : ( كُن ) فكان ما قدر بقوله ( كُن )( {[10129]} ) .


[10120]:- ساقط من (ج) و(د).
[10121]:- كذا في جميع النسخ ولعله تحريف صوابه وتقول.
[10122]:- قوله: (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ) تفسير لمثل آدم لا باعتبار ما يعطيه ظاهر الجملة من كونه قد جسد من طين بل باعتبار المعنى أي إن شأن عيسى كشأن آدم في الخروج عن مستمر العادة وهي التولد من غير أبوين، والجملة التفسيرية في محل رفع بأنها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ما المثل؟ فقال: (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ). انظر: المحرر 3/109 والبيان في غريب الإعراب 1/206 والإملاء 1/80. والمغني لابن هشام 446.
[10123]:- انظر: معاني الزجاج 1/422.
[10124]:- (أ) و(ج): ولو كان.
[10125]:- (أ) (ج): "يكن".
[10126]:- ساقط من (أ) (ج).
[10127]:- ص آية 75.
[10128]:- انظر: معاني الأخفش 1/409 وجامع البيان 3/296، إعراب القرآن المنسوب للزجاج 1/104.
[10129]:- انظر: إعراب النحاس 1/338.