قوله عز وجل : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } الآية .
أجمع أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في محاجة نصارى وفد نجران ، قال ابن عباس : إن رهطاً من أهل نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم : كان فيهم السيد والعاقب فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شأنك تذكر صاحبنا ، فقال من هو ؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل إنه عبد الله ، فقالوا له : فهل رأيت له مثلاً أو أنبئت به ؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل عليه السلام فقال : قل لهم إذا أتوك إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ، وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، فغضبوا وقالوا : يا محمد هل رأيت إنساناً قط من غير أب ؟ فأنزل الله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله } أي في الخلق والإنشاء في كونه خلقه من غير أب كمثل آدم في كونه خلقه من تراب من غير أب وأم ، ومعنى الآية أن صفة خلق عيسى من غير أب كصفة آدم في كونه خلقه من تراب لا من أب وأم ، فمن أقر بأن الله خلق آدم من التراب اليابس وهو أبلغ في القدرة ، فلم لا يقر بأن الله خلق عيسى من مريم من غير أب بل الشأن في خلق آدم أعجب وأغرب وتم الكلام عند قوله كمثل آدم لأنه تشبيه كامل ، ثم قال تعالى : خلقه من تراب فهو خبر مستأنف على جهة التفسير لحال خلق آدم في كونه خلقه من تراب أي قدره جسداً من طين { ثم قال له كن } أي أنشأه خلقاً بالكلمة ، وكذلك عيسى أنشأه خلقاً بالكلمة فعلى هذا القول ذكروا في الآية إشكالاً وهو أنه تعالى قال : خلقه من تراب ثم قال له : كن فهذا يقتضي أن يكون خلق آدم متقدماً على قوله كن ولا تكوين بعد الخلق . وأجيب عن هذا الإشكال بأن الله تعالى أخبر بأنه خلقه من تراب لا من ذكر وأنثى ثم ابتدأ خبراً آخر . فقال : إني أخبركم أيضاً أني قلت له كن فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة ، ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى خلقه جسداً من تراب ثم قال له : كن بشراً فكان يصح النظم ، وقيل الضمير في قوله كن يرجع إلى عيسى عليه السلام وعلى هذا لا إشكال في الآية . فإن قلت : كيف شبه عيسى عليه السلام بآدم عليه السلام وقد وجد عيسى من غير أب ووجد آدم من غير أب ولا أم ؟ . قلت : هو مثله في أحد الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به ، لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجوداً خارجاً عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران لأن الوجود من غير أب وأم أغرب في العادة من الوجود من غير أب ، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه . وحكي أن بعض العلماء أسر في بلاد الروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى ؟ قالوا : لأنه لا أب له قال : فآدم أولى لأنه لا أب له ولا أم قالوا : وكان يحيي الموتى فقال : حزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل أربعة آلاف : قالوا : وكان يبرئ الأكمه والأبرص قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سليماً .
وقوله كن { فيكون } قال ابن عباس : معناه كن فكان فأريد بالمستقبل الماضي ، وقيل معناه : ثم قال له : كن ، واعلم يا محمد أن قال له ربك كن فإنه يكون لا محالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.