قال المفسرون : إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك تشتم صاحبنا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : وما أقول ؟ قالوا : تقول إنه عبد . قال : أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنساناً قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله . فأنزل الله عز وجل { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } أي حاله الغريبة كحاله . ووجه الشبه أن كلاً منهما وجد وجوداً خارجا عن العادة المستمرة ، بل الوجود من غير أب وأم أغرب ، فشبه الغريب بالأغرب . لأن المشبه به ينبغي أن يكون أقوى حالاً من المشبه في وجه الشبه . ثم فسر كيفية خلق آدم بقوله : { خلقه من تراب } أي قدّره جسداً من طين . قيل : اشتقاق آدم من الأدمة ، وقال ابن عباس : سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض كلها أحمرها وأسودها طيبها وخبيثها ، فلذلك كان في ولده الأسود والأحمر والطيب والخبيث . وقيل : إنه اسم أعجمي كآزر ووزنه " فاعل " لا " أفعل " . والضمير عائد إلى آدم الموجود كقولك : " هذا الكون أصله من الطين " { ثم قال له } أي لذلك المقدّر { كن فيكون } وهذا كقوله :{ ثم أنشأناه خلقاً آخر }[ المؤمنون : 14 ] وإنما لم يقل " فكان " إما لأنه حكاية حال ماضية ، وإما تصوير لتلك الحالة العجيبة كقوله :
فأصر بها بلا دهش فخرت *** . . .
أو المراد اعلم يا محمد أن ما قال له ربك " كن " فإنه يكون لا محالة . وقيل : معنى " ثم " تراخي الخبر عن الخبر لا تراخي المخبر عن المخبر كقول القائل " أعطيت زيداً ألفاً اليوم ثم أنا أعطيته أمس ألفين " أي ثم أنا أخبركم أني أعطيته أمس ألفين فكذا قوله : { خلقه من تراب } أي صيره بشراً سوياً . ثم إنه يخبركم أنه إنما خلقه بأن قال له " كن " . وقيل : إن معنى الخلق يرجع إلى علمه تعالى بكيفية وقوعه وإرادته لإيقاعه على الوجه المخصوص . والمراد ب " كن " إدخاله في الوجود . قالت الحكماء : إنما خلق آدم من التراب لوجوه : ليكون متواضعاً وليكون ستاراً وليكون أشد التصاقاً بالأرض فيصلح للخلافة فيها ، ولما فيه من إظهار القدرة فخلق الشياطين من النار التي هي أضوأ الأجرام السفلية وابتلاهم بظلمات الضلالة ، وخلق الملائكة من الهواء الذي هو أرق الأجرام وأعطاهم كمال القوة والقدرة ، وخلق السماوات من أمواج مياه البحار وأبقاها معلقة في الفضاء ، وخلق آدم من التراب الذي هو أكثف الأجرام فآتاه النور والهداية ، وكل ذلك برهان باهر ودليل ظاهر على أنه تعالى هو المدبر بغير احتياج والخالق بلا مزاج . وعلاج خلق البشر من التراب لإطفاء نيران الشهوة والحرص والغضب ، وخلقه من الماء { خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً }[ الفرقان : 54 ] ليكون صافياً تتجلى فيه صور الأشياء . ثم مزج بين التراب والماء لامتزاج اللطيف بالكثيف فصار طيناً { إني خالق بشراً من طين }[ ص : 71 ] ثم إنه سل من ألطف أجزاء الطين { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين }[ المؤمنون : 13 ] ثم جعله طيناً لازباً { إنا خلقناهم من طين لازب }[ الصافات : 11 ] ثم سنه وغير رائحته { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإٍ مسنون }[ الحجر : 26 ] .
عن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى عليه السلام ؟ قالوا : لأنه لا أب له . قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له . قالوا : كان يحيي الموتى . قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل ثمانية آلاف . فقالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص . قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.