غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

42

قال المفسرون : إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك تشتم صاحبنا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : وما أقول ؟ قالوا : تقول إنه عبد . قال : أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنساناً قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله . فأنزل الله عز وجل { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } أي حاله الغريبة كحاله . ووجه الشبه أن كلاً منهما وجد وجوداً خارجا عن العادة المستمرة ، بل الوجود من غير أب وأم أغرب ، فشبه الغريب بالأغرب . لأن المشبه به ينبغي أن يكون أقوى حالاً من المشبه في وجه الشبه . ثم فسر كيفية خلق آدم بقوله : { خلقه من تراب } أي قدّره جسداً من طين . قيل : اشتقاق آدم من الأدمة ، وقال ابن عباس : سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض كلها أحمرها وأسودها طيبها وخبيثها ، فلذلك كان في ولده الأسود والأحمر والطيب والخبيث . وقيل : إنه اسم أعجمي كآزر ووزنه " فاعل " لا " أفعل " . والضمير عائد إلى آدم الموجود كقولك : " هذا الكون أصله من الطين " { ثم قال له } أي لذلك المقدّر { كن فيكون } وهذا كقوله :{ ثم أنشأناه خلقاً آخر }[ المؤمنون : 14 ] وإنما لم يقل " فكان " إما لأنه حكاية حال ماضية ، وإما تصوير لتلك الحالة العجيبة كقوله :

فأصر بها بلا دهش فخرت *** . . .

أو المراد اعلم يا محمد أن ما قال له ربك " كن " فإنه يكون لا محالة . وقيل : معنى " ثم " تراخي الخبر عن الخبر لا تراخي المخبر عن المخبر كقول القائل " أعطيت زيداً ألفاً اليوم ثم أنا أعطيته أمس ألفين " أي ثم أنا أخبركم أني أعطيته أمس ألفين فكذا قوله : { خلقه من تراب } أي صيره بشراً سوياً . ثم إنه يخبركم أنه إنما خلقه بأن قال له " كن " . وقيل : إن معنى الخلق يرجع إلى علمه تعالى بكيفية وقوعه وإرادته لإيقاعه على الوجه المخصوص . والمراد ب " كن " إدخاله في الوجود . قالت الحكماء : إنما خلق آدم من التراب لوجوه : ليكون متواضعاً وليكون ستاراً وليكون أشد التصاقاً بالأرض فيصلح للخلافة فيها ، ولما فيه من إظهار القدرة فخلق الشياطين من النار التي هي أضوأ الأجرام السفلية وابتلاهم بظلمات الضلالة ، وخلق الملائكة من الهواء الذي هو أرق الأجرام وأعطاهم كمال القوة والقدرة ، وخلق السماوات من أمواج مياه البحار وأبقاها معلقة في الفضاء ، وخلق آدم من التراب الذي هو أكثف الأجرام فآتاه النور والهداية ، وكل ذلك برهان باهر ودليل ظاهر على أنه تعالى هو المدبر بغير احتياج والخالق بلا مزاج . وعلاج خلق البشر من التراب لإطفاء نيران الشهوة والحرص والغضب ، وخلقه من الماء { خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً }[ الفرقان : 54 ] ليكون صافياً تتجلى فيه صور الأشياء . ثم مزج بين التراب والماء لامتزاج اللطيف بالكثيف فصار طيناً { إني خالق بشراً من طين }[ ص : 71 ] ثم إنه سل من ألطف أجزاء الطين { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين }[ المؤمنون : 13 ] ثم جعله طيناً لازباً { إنا خلقناهم من طين لازب }[ الصافات : 11 ] ثم سنه وغير رائحته { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإٍ مسنون }[ الحجر : 26 ] .

عن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى عليه السلام ؟ قالوا : لأنه لا أب له . قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له . قالوا : كان يحيي الموتى . قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل ثمانية آلاف . فقالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص . قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالماً .

/خ60