الآية 59 وقوله تعالى : { إن مثل عيس عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } قيل في القصة : إن نصارى من أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أنت{[3905]} تشتم صاحبنا عيسى ابن مريم { عليه السلام ]{[3906]} ؛ تزعم أنه عبد ، وهو يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين [ طيرا ، فأرنا في ما ]{[3907]} خلق الله عبدا مثله يعمل هذا .
والنصارى في الحقيقة مشتبهة وقدرية ، وأما التشبيه فإنما علمهم على ذلك ظنهم في قول إبراهيم [ صلوات الله عليه ]{[3908]} ، حين قال :
{ ربي الذي يحي ويميت } [ البقرة : 258 ] ظنوا أن عيسى لما قال : { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } [ آل عمران : 49 ] أنه رب وإله ، لأن إبراهيم عليه السلام أخبر أن ربه { الذي يحيي ويميت } فسموا عيسى إلها بهذا ، وهم كانوا يرون عيسى يأكل ، ويشرب ، وينام ، فلولا أنهم عرفوا الله جل وعلا [ ما تشبهوه ]{[3909]} به ، تعالى الله عن ذلك .
وأما القدرية فلما يروا الله في أفعال العباد ، وإنما رأوا ذلك للحق خاصة ، فلما رأوا ذلك من عيسى عليه السلام ظنوا أنه رب لما لو يروا ذلك من غيره ، ولو كانوا عرفوا الله حق المعرفة لعلموا أن لم يكن من عيسى إلا تصوير ذلك الطير وتمثيله ، ويكون مثله من كل واحد{[3910]} ، وإنما الإحياء كان من الله جل وعلا أجراه{[3911]} على يدي عيسى عليه السلام [ إذ له ]{[3912]} تصويره فقط ، وكذلك ما كان من إبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من الله جل وعلا أجراه على يديه آيات لنبوته ، لأنهم ادعوا له الربوبية من وجهين : لكونه من غير أب ، ولآياته .
ثم قوله : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } يحتمل وجهين : والله أعلم :
أحدهما : أن الله جل وعلا صور صورة آدم من طين ، ثم جعل فيه الروح ، لم يجز أن يقال : صار آدم حيا من نفسه لوجود صورته ، كيف جاز لكم أن تقولوا : إن عيسى لما صور ذلك الطير صار محييا بتصويره إياه دون إحياء الله تعالى إياه ، والله أعلم ؟
والثاني : أن آدم عليه السلام خلق من لا أب وأم ، ثم لم تقولوا : إنه رب أو إله ، كيف قلتم في عيسى : إنه إله ؟ وإنه{[3913]} خلق لا من أب ، إذ عدم الأبوة في آدم لم توجب أن يكون ربا ، كيف أوجب عدم الأبوة في عيسى كونه ربا وإلها ؟ والله الموفق ، وإنما كان عيسى بقوله : { كن } كما كان آدم أيضا ب { كن } من غير أب .
وقوله تعالى : { كن } قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب ، يعبر ، فيؤدي المعنى ، فيفهم المراد إلا أن كان من الله جل وعلا كاف نون أو وقت أو حرف ، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق ، تعالى الله عن ذلك{[3914]} .
وقوله تعالى : { فيكون } يحتمل وجهين :
أحدهما : يحتمل { فيكون } بمعنى كان ، والعرب تستعمل ذلك ، ولا تأباه{[3915]} .
والثاني : أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد . وأصل ذلك إذا ذكر الله ، ووصف ، ويذكر بلا ذكر وقت في الأزل ، وإذا ذكر الخلق معه ، يذكر الوقت ، والوقت يكون للخلق بقول خالق لم يزل وخالق في وقت خلقه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.