بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

ثم قال : { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله } نزلت في وفد نجران ، السيد والعاقب ، والأسقف ، وجماعة من علمائهم وأحبارهم ، قدموا على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وناظروه في أمر عيسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ » ، فقالوا : أرنا خلقاً من خلق الله تعالى بغير أب ، وَكَانَ يُحيي الموتى ، وكان فيه دليل على ما قلنا ، وكانوا يقولون : إنه اتخذه ابناً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« أسْلِمُوا » فقالوا : قد أسلمنا قبلك ، فقال لهم : « كَذَبْتُمْ ، إنَّمَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الإسْلامِ ثَلاثٌ ، أَكْلُ لَحْمِ الخَنْزِيرِ ، وَعِبَادَةُ الصَّلِيبِ ، وَقَوْلُكُمْ : لله

وَلَدٌ » ، فقالوا له : من أبو عيسى ؟ فنزل قوله تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ } يعني : شبه خلق عيسى عند الله كشبه خلق آدم { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } يعني : صوّره من غير أب ولا أم { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فكان بشراً بغير أب ، كذلك عيسى كان بشراً بغير أب ، وفي هذه الآية دليل علمي أن الشيء يشبه بالشيء ، وإن كان بينهما فرق كبير ، بعد أن يجتمعا في وصف واحد ، كما أن هاهنا خلق آدم من تراب ، ولم يخلق عيسى من تراب ، وكان بينهما فرق من هذا الوجه ، ولكن الشبه بينهما أنه خلقهما من غير أب ، ولأن أصل خلقهما جميعاً كان من تراب ، لأن آدم لم يخلق من نفس التراب ، ولكنه جعل التراب طيناً ، ثم جعله صلصالاً ، ثم خلقه منه ، فكذلك عيسى عليه السلام حوله من حال إلى حال ، ثم خلقه بشراً من غير أب .