الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس " أن رهطا من أهل نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له : ما شأنك تذكر صاحبنا ؟ قال : من هو ؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبد الله ! قال : أجل إنه عبد الله . قالوا : فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به ؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال : قل لهم إذا أتوك { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } إلى آخر الآية " .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : " ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم السيد والعاقب لقيا نبي الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن عيسى فقالا : كل آدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له ؟ فأنزل الله فيه هذه الآية { إن مثل عيسى عند الله . . . . } الآية " .

وأخرج ابن جرير عن السدي قال " لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع به أهل نجران أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم ، منهم السيد ، والعاقب ، وماسرجس ، ومار بحر ، فسألوه ما تقول في عيسى ؟ قال : هو عبد الله ، وروحه ، وكلمته ، قالوا هم : لا ، ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها ، فأرانا قدرته وأمره ، فهل رأيت إنسانا قط خلق من غير أب ؟ فأنزل الله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم . . . . } الآية " .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { إن مثل عيسى . . . . } الآية قال : نزلت في العاقب ، والسيد ، من أهل نجران .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال " بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيهم السيد ، والعاقب ، وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا : يا محمد فيم تشتم صاحبنا ؟ قال : من صاحبكم ؟ ! قالوا : عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل إنه عبد الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه ، لكنه الله . فسكت حتى أتاه جبريل فقال : يا محمد ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم . . . ) ( المائدة الآية 17 ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى . قال جبريل { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات " .

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال : " جاء أسقف نجران ، والعاقب ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فقالا : قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتما مع الإسلام منكما ثلاث : قولكما اتخذ الله ولدا ، وسجودكما للصليب ، وأكلكما لحم الخنزير ، قالا : فمن أبو عيسى ؟ فلم يدر ما يقول . فأنزل الله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } إلى قوله { بالمفسدين } فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة فقالا : إنه إن كان نبيا فلا ينبغي لنا أن نلاعنه ، فأبيا فقالا : ما تعرض سوى هذا ؟ فقال : الإسلام ، أو الجزية ، أو الحرب ، فأقروا بالجزية " .