إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

{ إِنَّ مَثَلَ عيسى } أي شأنَه البديعَ المنتظِمَ لغرابته في سلك الأمثال { عَندَ الله } أي في تقديره وحُكمِه { كَمَثَلِ آدَمَ } أي كحاله العجيبةِ التي لا يرتاب فيها مرتابٌ ولا ينازِعُ فيها منازِع { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } تفسيرٌ لما أُبهم في المَثَل وتفصيلٌ لما أُجمِلَ فيه وتوضيحٌ للتمثيل ببيان وجهِ الشبهِ بينهما وحسمٌ لمادة شُبهة الخصومِ فإن إنكارَ خلقِ عيسى عليه الصلاة والسلام بلا أبٍ - ممن اعترف بخلقِ آدمَ عليه الصلاة والسلام بغير أبٍ وأمٍ - مما لا يكاد يصح ، والمعنى خلق قالَبَه من تراب { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } أي أنشأه بَشَراً كما في قوله تعالى : { ثم أنشأناه خلقا آخر } [ المؤمنون ، الآية 14 ] أو قدّر تكوينَه من التراب ثم كوّنه ويجوز كونُ { ثُمَّ } لتراخي المُخبَرِ به { فَيَكُونُ } حكايةُ حالٍ ماضية ، روي أن وفد نجرانَ قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك تشتمُ صاحبَنا ؟ قال : « وما أقول ؟ » قالوا : تقول إنه عبدٌ قال : « أجل هو عبدُ الله ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى العذراء البتولِ » فغضِبوا وقالوا : هل رأيتَ إنساناً من غير أبٍ ؟ فحيثُ سلَّمتَ أنه لا أبَ له من البشر وجب أن يكون أبوه هو الله فقال عليه الصلاة والسلام : « إن آدمَ عليه الصلاة والسلام ما كان له أبٌ ولا أم ولم يلزم من ذلك كونُه ابناً لله سبحانه وتعالى فكذا حالُ عيسى عليه الصلاة والسلام » .