التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (59)

قوله تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدام خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) .

قال المفسرون في سبب نزول هذه الآية : إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم : ما لك تشتم صاحبنا ؟ قال : " وما أقول " قالوا : تقول إنه عبد . قال : " أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول " فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب ؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله . فأنزل الله عز وجل هذه الآية{[481]} .

تتضمن هذه الآية قياسا . وهو تشبيه عيسى المسيح الذي خلق من غير أب بآدم أبي البشر إذ خلقه الله من تراب- أي من غير أب ولا أم . فوجه الشبه بينهما خلقهما من غير أب ، بل إنه من الوجهة القياسية المعقولة ينبغي القول إن خلق عيسى من غير أب لهو أشد تأكيد على حصول المقصود . وهو ما يحمل الذهن على سرعة التقبل والتصديق في يسر وبساطة من طريق الأحرى والأولى ، فلئن كان آدم خلق من غير أب ولا أم وإنما خلق من تراب فلا جرم أن يكون خلْق المسيح من أم بغير أب لا يحتمل غير القطع واليقين .

والأمر جد هين ويسير لو حيل بين المرء وجنوحه للهوى والتعصب ، وهذه أم المعضلات ومشكلة التي تصطدم بها البشرية طيلة حياتها . . . مسألة الهوى المضل والتعصب الذميم وما يرافق ذلك من نكوص عن نداءات اليقين والصواب التي تهتف بالإنسانية في كل آن ؛ كيما تصيخ للحق والصواب ، وكيما تتجافى بعقولها وطبائعها وتصوراتها عن الباطل بكل صور وألوانه .

الأمر جد هين ويسير لو حملت البشرة عقولها على استيعاب المدلول الهائل الذي تضنه قوله تعالى : ( كن فيكون ) فلسوف لا يبقى بعد ذلك مثار لغرابة ولا متسع لعجب ، مادام كل شيء في الوجود رهين من الله بالكاف والنون .


[481]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 67.