معاني القرآن للفراء - الفراء  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (91)

وقوله : { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً }

نصبت الذهب لأنه مفسِّر لا يأتي مثله إلا نكرة ، فخرج نصبه كنصب قولك : عندي عشرون درهما ، ولك خيرهما كبشا . ومثله قوله { أوْ عَدْلُ ذلك صِيَاما } وإنما ينصب على خروجه من المقدار الذي تراه قد ذكر قبله ، مثل ملء الأرض ، أو عَدْل ذلك ، فالعَدْل مقدار معروف ، وملء الأرض مقدار معروف ، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شيء له قدر ؛ كقولك : عندي قدر قَفِيز دقيقا ، وقدر حَمْلةٍ تبْنا ، وقدر رطلين عسلا ، فهذه مقادير معروفة يخرج الذي بعدها مفسِّرا ؛ لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدلّ على جنس المقدار من أي شيء هو ؛ كما أنك إذا قلت : عندي عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تمّ خبره ، وجهُل جنسُه وبقى تفسيره ، فصار هذا مفسِّرا عنه ، فلذلك نُصِب . ولو رفعته على الاسئتناف لجاز ؛ كما تقول : عندي عشرون ، ثم تقول بعد : رجالٌ ، كذلك لو قلت : مِلْء الأرض ، ثم قلت : ذَهَبٌ ، تخبر على غير اتّصال .

وقوله : { وَلَوِ افْتَدَى بِهِ } الواو ها هنا قد يُستغنَى عنها ، فلو قيل مِلْء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا . وهو بمنزلة قوله :

{ ولِيكون مِن الموقِنِين } فالواو ها هنا كأن لها فعلا مضمرا بعدها .