الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (91)

ثم أخبر تعالى أنَّ توبة هؤلاءِ لَنْ تقبَل ، وقد قررت الشريعةُ أنَّ توبة كلِّ كافر تقبل ، فلا بُدَّ في هذه الآيةِ مِنْ تخصيصٍ تُحْمَلُ عليه ، ويصحُّ به نَفْيُ قبولِ التَّوبة ، فقال الحسن وغيره : المعنى : لَنْ تُقْبَلَ توبتُهم عنْدَ الغَرْغَرَةِ ، والمعاينة ، وقال أبو العاليَةِ : المعنى : لَنْ تُقْبَلَ توبتْهم مِنْ تلك الذُّنُوبِ الَّتي أصابُوها مع إقامتهم على كُفْرهم بمحمَّد صلى الله عليه وسلم .

قال ( ع ) : وتحتملُ الآية عنْدي أنْ تكونَ إشارةً إلى قومٍ بأعيانهم من المرتدِّين ، وهم الذين أشار إلَيْهم بقوله سبحانه : { كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً }

[ آل عمران : 86 ] ، فأخبر عنهم أنَّه لا تكونُ منهم توبَةٌ ، فيتصوَّر قبولها ، فكأنه أخبر عن هؤلاء المعيَّنين ، أنهم يموتون كُفَّاراً ، ثم أخبر الناسَ عَنْ حُكْم كلِّ مَنْ يموت كافراً ، والمِلْء : ما شُحِنَ به الوعاء ، وقوله : { وَلَوِ افتدى بِهِ } قال الزَّجَّاج : المعنى لَنْ يقبلَ منْ أحدهم إنفاقُهُ وتقرُّباته في الدُّنْيَا ، ولو أنفق مِلْءَ الأرْض ذَهَباً ، ولو افتدى أيضًا به في الآخرة ، لَنْ يقبَل منْه ، قال : فأَعْلَمَ اللَّهُ أنه لا يُثِيبُهُم على أعمالهم من الخَيْر ، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب .

قال ( ع ) : وهذا قولٌ حسَنٌ ، وقال قوم : الواو زائدةٌ ، وهذا قولٌ مردودٌ ، ويحتملُ المعنى نفْيَ القَبُول على كلِّ وجه ، ثم خص مِنْ تلك الوجوهِ أليقها وأحراها بالقَبُول ، وباقي الآية وعيدٌ بَيِّن ، عافانا اللَّه من عقابِهِ ، وخَتَمَ لنا بما خَتَمَ به للصَّالحين من عباده .