لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (91)

قوله عز وجل : { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } قال ابن عباس : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل من كان من أصحاب الحارث بن سويد حباً في الإسلام فنزلت هذه الآية فيمن مات منهم على الكفر ، وقيل نزلت فيمن مات كافراً من جميع أصناف اليهود والنصارى وعبدة الأصنام ، فالآية عامة في جميع من مات على الكفر { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } أي قدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها { ولو افتدى به } قيل معناه لو افتدى به والواو زائدة مقحمة وقيل الواو على حالها وفائدتها أنها للعطف والتقدير لو تقرب إلى الله بملء الأرض ذهباً وقد مات على كفره لم ينفعه ذلك وكذا لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهباً لن يقبل منه ، وهذا آكد في التغليظ لأنه تصريح بنفي القبول من جميع الوجوه . فإن قلت الكافر لا يملك شيئاً في الآخرة فما وجه قوله فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ؟ قلت : الكلام ورد على سبيل الفرض والتقدير والمعنى لو أن للكافر قدر ملء الأرض ذهباً يوم القيامة لبذله في تخليص نفسه من العذاب ولكن لا يقدر على شيء من ذلك ، وقيل معناه لو أن الكافر أنفق في الدنيا ملء الأرض ذهباً ثم مات على كفره لم ينفعه ذلك لأن الطاعة مع الكفر غير مقبولة { أولئك } إشارة إلى من مات على الكفر { لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين } يعني مانعين يمنعونهم من العذاب .

( ق ) عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم ، فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا الشرك " لفظ مسلم .