نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (91)

ولما أثبت لهم الخصوصية بذلك لائناً{[18251]} لهم فيه إلى حد أيس معه من رجوعهم تشوف{[18252]} السامع إلى حالهم في الآخرة فقال{[18253]} مبيناً لهم{[18254]} أن السبب في عدم قبول توبتهم تفويت{[18255]} محلها بتماديهم على الكفر{[18256]} : { إن الذين كفروا } أي هذا الكفر أو غيره{[18257]} ، ويجوز أن يكون المراد أنهم{[18258]} ثلاثة أقسام : التائبون توبة صحيحة وهم الذين أصلحوا ، والتائبون توبة فاسدة ، والواصلون كفرهم{[18259]} بالموت من غير توبة ، ولذا{[18260]} قال : { وماتوا وهم كفار } ولما كان الموت كذلك سبباً للخلود في النار لأن السياق للكفر{[18261]} والموت عليه ، صرح بنفي قبول الفداء{[18262]} كائناً من كان{[18263]} ، وربطه بالفاء فقال : { فلن يقبل } أي بسبب شناعة فعلهم الذي هو{[18264]} الاجتراء على الكفر ثم الموت{[18265]} عليه { من أحدهم } أي كائناً من كان { ملء الأرض ذهباً } أي من الذهب ، لا يتجدد له قبول ذلك لو بذله هبة أوهدية أو غير ذلك{[18266]} { ولو افتدى به } لو في مثل هذا السياق تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء ، وما بعدها جاء تنصيصاً على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها ، كقوله صلى الله عليه وسلم " أعطوا السائل ولو جاء على فرس " فكونه{[18267]} جاء على فرس يؤذن بغناه ، فلا يناسب أن يعطى فنص عليه ؛ وأما هنا فلما كان قبول الفدية واجباً عند أهل الكتاب - كما مر في قوله سبحانه وتعالى : { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم{[18268]} }[ البقرة : 85 ] {[18269]}كان بحيث{[18270]} ربما ظن أن{[18271]} بذله - على طريق الافتداء يخالف بذله على غير ذلك الوجه حتى يجب قبوله ، فنص عليه ؛ وأيضاً فحالة الافتداء حالة لا يمتن فيها المفتدي على المفتدى منه ، إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدى - قاله أبو حيان . فالمعنى : لا يقبل من أحدهم ما{[18272]} يملأ الأرض من الذهب على حال من الأحوال ولو على حال الافتداء ، والمراد بالمثال المبالغة في الكثرة ، أي لا يقبل{[18273]} منه شيء ؛ وإنما اقتصر على ملء الأرض لأنه أكثر ما يدخل تحت أوهام الناس ويجري في محاوراتهم{[18274]} - والله سبحانه وتعالى أعلم .

ولما تشوف السامع إلى معرفة ما يحل بهم أجيب بقوله : { أولئك } أي البعداء من الرحمة { لهم عذاب أليم } ولعظمته أغرق في النفي بعده بزيادة الجار فقال : { وما لهم من ناصرين * } أي ينصرونهم{[18275]} بوجه من الوجوه ، فانتفى عنهم كل وجه من وجوه الاستنقاذ{[18276]} .


[18251]:في ظ: لانعا.
[18252]:من ظ ومد، وفي الأصل: تشرف.
[18253]:هكذا ثبتت العبارة من هنا إلى "تفويت محلها" في مد وظ، وقد تأخرت في الأصل عن "سببا للخلود في النار".
[18254]:ما بين الحاجزين زيد من ظ ومد.
[18255]:من مد وظ، وفي الأصل: تعذيب.
[18256]:ما بين الحاجزين زيد من ظ ومد.
[18257]:زيد بعده في الأصل "أي بسبب شناعة فعلهم الذي هو الاجتراء على الكفر ثم أو ثم عليه" ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها وستأتي بعد قوله تعالى "فلن يقبل" من غير زيادة " ثم أو ثم عليه".
[18258]:في ظ: بهم.
[18259]:ما بين الحاجزين زيد من ظ ومد.
[18260]:من مد، وفي الأصل وظ: كذا.
[18261]:في ظ: لكفر.
[18262]:زيد بعده في مد: فقال.
[18263]:العبارة من "لان السياق" إلى هنا تأخرت في الأصل عن "أي من الذهب".
[18264]:زيد بعده في ظ: لأجل.
[18265]:من ظ وفي الأصل : ماتوا.
[18266]:ما بين الحاجزين زيد من ظ ومد.
[18267]:في ظ: لكونه.
[18268]:سورة 1 آية 85.
[18269]:في ظ: كما بحث.
[18270]:في ظ: كما بحث.
[18271]:من ظ ومد، وفي الأصل: أنه.
[18272]:زيد من ظ ومد.
[18273]:من ظ ومد، وفي الأصل: الافتدى.
[18274]:من مد، وفي الأصل: محظوراتهم، وفي ظ: مجاوزاتهم.
[18275]:في ظ: ينصروهم.
[18276]:في الأصول: الاستنقاد ـ كذا بالدال المهملة.