فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (179)

قوله : { وَلَكُمْ فِي القصاص حياة } أي : لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة ؛ لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصاً إذا قتل آخر كَفَّ عن القتل ، وانزجر عن التسرع إليه ، والوقوع فيه ، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية ، وهذا نوع من البلاغة بليغ ، وجنس من الفصاحة رفيع ، فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياةً باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضاً ، إبقاء على أنفسهم ، واستدامةً لحياتهم ؛ وجعل هذا الخطاب موجهاً إلى أولي الألباب ؛ لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب ، ويتحامون ما فيه الضرر الآجل ؛ وأما من كان مصاباً بالحمق ، والطيش ، والخفة ، فإنه لا ينظر عند سورة غضبه ، وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة ، ولا يفكر في أمر مستقبل ، كما قال بعض فتاكهم :

سأَغْسِلُ عَني العَارَ بِالسَيْفِ جَالبا *** عَليّ قَضَاء الله مَا كَان جَالِباً

ثم علّل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي : تتحامون القتل بالمحافظة على القصاص ، فيكون ذلك سبباً للتقوى ، وقرأ أبو الجوزاء : «ولكم في القصص حياة » قيل : أراد بالقصص القرآن : أي لكم في كتاب الله الذي شرع فيه القصاص حياة ، أي : نجاة ، وقيل : أراد حياة القلوب ، وقيل : هو مصدر بمعنى القصاص ، والكل ضعيف ، والقراءة به منكرة .

/خ179