نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (179)

ولما أخبر سبحانه وتعالى بفائدة العفو أخبر بفائدة{[7220]} مقابله تتميماً لتأنيب أهل الكتاب على عدولهم{[7221]} عن النص وعماهم{[7222]} عن الحكمة فقال : { ولكم } أي يا أيها الذين آمنوا { في القصاص } {[7223]}أي هذا الجنس{[7224]} وهو قتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة من غير مجاوزة ولا عدوان { حياة{[7225]} } {[7226]}أي عظيمة بديعة{[7227]} لأن من{[7228]} علم أنه يُقتل لا يَقْتُل . وقال الحرالي : فالحياة لمن سوى الجاني من عشيرته ممن كان يعتدى عليه بجناية غيره في الدنيا{[7229]} ، والحياة للجاني بما{[7230]} اقتص منه في الأخرى{[7231]} ، لأن من يكفّر ذنبه{[7232]} حيي في الآخرة ، ومن بقي عليه جناية فأخذ بها فهو في حال ذلك ممن لا يموت فيها ولا يحيى ، لأن المعاقب{[7233]} في حال عقوبته لا يجد طعم الحياة لغلبة ألمه ولا هو في الموت لإحساسه بعقوبته - انتهى . وأما مطلق القتل كما كان أهل الجاهلية يقولون : القتل أنفى للقتل{[7234]} {[7235]}وليس{[7236]} كذلك ، لأن من علموا أنهم إذا قتلوا اثنين لا يقتل بهما إلاّ واحد رُبما كان ذلك مجرياً لهم على القتل ويدخل فيه القتل ابتداء وهو أجلب للقتل لا أنفى له ، وقد كانوا مطبقين{[7237]} على استجادة{[7238]} معنى كلمتهم واسترشاق{[7239]} لفظها ، ومن{[7240]} المعلوم{[7241]} لكل ذي لب أن بينها{[7242]} وبين ما في القرآن كما بين الله وخلقه {[7243]}فإنها{[7244]} زائدة على عبارة القرآن في الحروف و{[7245]}ناقصة في المعنى ، فإذا أريد{[7246]} تصحيحها قبل القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً فكثرت الزيادة ولم تصل إلى{[7247]} رشاقة ما في القرآن وعذوبته{[7248]} - والله سبحانه وتعالى الموفق .

ولما كانت هذه العبارة كما ترى معجزة في صحة معناها ودقة إشارته وغزير{[7249]} مفهوماته قال{[7250]} سبحانه وتعالى مرغباً في علو الهمم { يا أولي الألباب } أي العقول التي تنفع{[7251]} أصحابها بخلوصها مما هو كالقشر{[7252]} لأنه جمع لب . قال الحرالي : وهو باطن العقل الذي شأنه أن يلحظ أمر الله في المشهودات كما شأن ظاهر العقل أن{[7253]} يلحظ{[7254]} الحقائق من المخلوقات ، فهم الناظرون إلى ربّهم في آياته - انتهى . ثم علل ذلك بقوله : { لعلكم تتقون * } أي الله بالانقياد لما شرع فتتحامون{[7255]} القتل . قال الحرالي : وفي إبهام لعل التي هي من الخلق كما تقدم تردد{[7256]} إعلام بتصنيفهم{[7257]} صنفين بين من{[7258]} يثمر{[7259]} ذلك له{[7260]} تقوى وبين من يحمله ذلك ويزيده في الاعتداء - انتهى .


[7220]:في م وظ: بعائدة.
[7221]:في ظ: عدوهم.
[7222]:من م ومد وظ: وفي الأصل: حماهم.
[7223]:ليس في ظ.
[7224]:ليس في ظ.
[7225]:وفي البحر المحيط 2 / 10: قال الزمخشري: "ولكم القصاص حياة" كلام فصيح لما فيه من الغرابة وهو أن القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل مكانا وظرفا للحياة ومن إصابة محزا لبلاغة بتعريف القصاص وتنكير الحياة لأن المعنى ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة أو نوع من الحياة وهو الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل.
[7226]:ليس في ظ.
[7227]:ليس في ظ.
[7228]:من م وظ ومد، وفي الأصل: لا من.
[7229]:من م وظ ومد، وفي الأصل: الحياة.
[7230]:في الأصل: ربما والتصحيح من م وظ ومد.
[7231]:في ظ: الآخرة.
[7232]:وقع في الأصل: وفيه – مصحفا، والتصحيح من م وظ ومد.
[7233]:من م ومد وظ، وفي الأصل: العاقب.
[7234]:من م ومد وظ، وفي الأصل: القتل.
[7235]:في مد: فليس.
[7236]:في مد: فليس.
[7237]:من م ومد وظ، وفي الأصل: مطيعين.
[7238]:من ظ وفي الأصل: استنجاده وفي مد: استحادة وفي م: استخارة.
[7239]:زيد في الأصل فقط: لكل .
[7240]:ليس في م ومد وظ.
[7241]:قال أبو حيان الأندلسي: وقالت العرب فيما يقرب من هذا المعنى: القتل أو في للقتل، وقالوا: أنفى للقتل، وقالوا: أكف للقتل، وذكر العلماء تفاوت ما بين الكلامين من البلاغة من وجوه: أحدها أن ظاهر قول العرب يقتضي كون وجود الشيء سببا لانتفاء نفسه وهو محال، الثاني تكرير لفظ القتل في جملة واحدة. الثالث الاقتصار على أن القتل هو أنفى للقتل، الرابع أن القتل ظلما هو قتل ولا يكون نافيا للقتل وقد اندرج في قولهم القتل أنفى للقتل والآية المكرمة بخلاف ذلك، ومن أراد التفصيل فراجع البحر المحيط 2 / 14 و 15.
[7242]:في م: تنبيها وفي مد: بينهما.
[7243]:العبارة من هنا إلى "عذوبته" ليست في ظ.
[7244]:من مد وفي م: فغنها وفي الأصل: بابها.
[7245]:ليس في م ومد وظ.
[7246]:من م ومد وفي الأصل: ارتد.
[7247]:زيد في الأصل: ما ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[7248]:من م ومد وفي الأصل: عدويته.
[7249]:من م ومد وظ، وفي الأصل: عزيز.
[7250]:وفي البحر المحيط 2 / 16: ونبه بالنداء نداء ذوي العقول والصبائر على المصلحة العامة وهي مشروعية القصاص إذ لا يعرف كنه محصولها إلا أولو الألباب القائلون لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه وهم الذين خصهم الله بالخطاب "إنما يتذكر أولوا الألباب" "لآيات لقوم يعقلون" "لآيات لأولي الألباب" "لآيات لأولي النهي" "لذكرى لمن كان له قلب" وذوو الألباب هم الذين يعرفون العواقب ويعلمون جهات الخوف إذ من لا عقل له لا يحصل له الخوف فلهذا خص به ذوي الألباب.
[7251]:من م ومد وظ، وفي الأصل: تبع.
[7252]:من م وظ، وفي مد: كالقسر، وفي الأصل: كالفز – كذا.
[7253]:زيد من م ومد.
[7254]:العبارة من "أمر الله" إلى هنا ليست في ظ.
[7255]:في الأصل: فيتحافون بالقتل والتصحيح من م ومد وظ.
[7256]:من م ومد وظ وفي الأصل: فتردد.
[7257]:من م وظ ومد وفي الأصل: تنصيفهم.
[7258]:زيد من م وظ.
[7259]:في ظ: له ذلك.
[7260]:في ظ: له ذلك.