وأمَّا " ذلك الكتاب " فيجوز في " ذلك " أن يكون مبتدأ ثانياً والكتابُ خبرُه ، والجملةُ خبرُ " ألم " ، وأغنى الربطُ باسمِ الإِشارة ، ويجوز أن يكونَ " الم " مبتدأً و " ذلك " خبره و " الكتاب " صفةٌ ل " ذلك " أو بدلٌ منه أو عطفُ بيان ، وأن يكونَ " ألم " مبتدأً و " ذلك " مبتدأ ثان ، و " الكتاب " : إما صفةٌ له أو بدلٌ منه أو عطفُ بيان له .
و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } خبرٌ عن المبتدأ الثاني ، وهو وخبرهُ خبرٌ عن الأول ، ويجوز أن يكونَ " ألم " خبرَ مبتدأ مضمرٍ ، تقديرُه : هذه ألم ، فتكونُ جملةً مستقلةً بنفسها ، ويكونُ " ذلك " مبتدأ ثانياً ، و " الكتابُ " خبرُه ، ويجوز أن يكونَ صفةً له أو بدلاً أو بياناً و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } هو الخبرُ عن " ذلك " ، أو يكون " الكتابُ " خبراً ل " ذلك " و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } خبرٌ ثانٍ ، وفيه نظرٌ من حيث إنه تعدَّد الخبرُ وأحدُهما جملةٌ ، لكنَّ الظاهرَ جوازُه كقوله تعالى : { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } [ طه : 20 ] إذا قيل إنَّ " تَسْعَى " خبرٌ ، وأمَّا إن جُعِل صفةً فلا .
وقوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } يجوز أن يكونَ خبراً كما تقدَّم بيانُه ، ويجوز أَنْ تكونَ هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال ، والعاملُ فيه معنى الإِشارة ، و " لا " نافيةٌ للجنس محمولةٌ في العمل على نقيضتها " إنَّ " ، واسمُها معربٌ ومبنيٌّ ، فيُبْنَى إذا كان مفرداً نكرةً على ما كان يُنْصَبُ به ، وسببُ بنائِه تضمُّنُهُ معنى الحرفِ ، وهو " مِنْ " الاستغراقية يدلُّ على ذلك ظهورُها في قول الشاعر :
فقام يَذُوْدُ الناسَ عنها بسيفِه *** فقال : ألا لا مِن سبيلٍ إلى هندِ
وقيل : بُني لتركُّبِه معها تركيبَ خمسةَ عشرَ وهو فاسدٌ ، وبيانُه في غير هذا الكتابِ .
وزعم الزجاج أنَّ حركةَ " لا رجلَ " ونحوِه حركةُ إعراب ، وإنما حُذِف التنوين تخفيفاً ، ويدل على ذلك الرجوعُ إلى هذا الأصلِ في الضرورةِ ، كقوله :
ألا رجلاً جزاه اللهُ خيراً *** يَدُلُّ على مُحَصِّلَةٍ تَبيتُ
ولا دليلَ له لأنَّ التقديرَ : ألا تَرَوْنني رجلاً ؟ .
فإن لم يكن مفرداً - وأعنى به المضاف والشبيهَ بهِ- أُعرب نصباً نحو : " لا خيراً من زيد " ولا عملَ لها في المعرفةِ البتة ، وأمًّا نحوُ :
تُبَكِّي على زيدٍ ولا زيدَ مثلُهُ *** بريءٌ من الحُمَّى سليمُ الجوانِحِ
أرى الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ *** نَكِدْنَ ولا أُمَيَّةَ في البلادِ
وقولِه عليه السلام : " لا قريشَ بعد اليوم ، إذا هَلَكَ كسرى فلا كسرى بعدَه " فمؤولٌ .
و " ريبَ " اسمُها ، وخبرُها يجوز أن يكونَ الجارَّ والمجرورَ وهو " فيه " ، إلا أن بني تميم لا تكاد تَذْكر خبرَها ، فالأَوْلَى أن يكون محذوفاً تقديره : لا ريبَ كائنٌ ، ويكون الوقف على " ريب " حينئذ تاماً ، وقد يُحذف اسمها ويبقى خبرُها ، قالوا : لا عليك ، أي لا بأسَ عليك ، ومذهبُ سيبويه أنها واسمَها في محلِّ رفع بالابتداء ولا عمَل لها في الخبر ، ومذهبُ الأخفش أن اسمَها في محلِّ رفع وهي عاملةٌ في الخبر .
ولها أحكامٌ كثيرةٌ وتقسيماتٌ منتشرةٌ مذكورةٌ في النحو .
واعلم أن " لا " لفظٌ مشتركٌ بين النفي ، وهي فيه على قسمين : قسمٌ تنفي فيه الجنسَ فتعملُ عمَل " إنَّ " كما تقدم ، وقسمٌ تنفي فيه الوِحْدة وتعملُ حينئذ عملَ ليس ، وبين النهي والدعاء فتجزم فعلاً واحداً ، وقد تجيء زيادةً كما تقدَّم في { وَلاَ الضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] .
و " ذلك " اسمُ إشارةٍ : الاسمُ منه " ذا " ، واللامُ للبعدِ والكافُ للخطاب وله ثلاثُ رتبٍ : دنيا ولها المجردُ من اللام والكاف نحو : ذا وذي وهذا وهذي ، ووسطى ولها المتصلُ بحرفِ الخطابِ نحو : ذاك وذَيْكَ وتَيْكَ ، وقصوى ولها/ المتصلُ باللام والكاف نحو : ذلك وتلك ، لا يجوز أن يُؤتى باللام إلا مع الكاف ، ويجوز دخولُ حرفِ التنبيه على سائر أسماء الإِشارة إلا مع اللام فيمتنعُ للطول ، وبعضُ النحويين لم يَذْكرْ له إلا رتبتين : دنيا وغيرَها .
واختلف النحويون في ذا : هل هو ثلاثيُّ الوضع أم أصلُه حرفٌ واحدٌ ؟ الأولُ قولُ البصريين . ثم اختلفوا : هل عينُه ولامه ياء فيكونُ من باب حيي أو عينُه واوٌ ولامُه ياءٌ فيكونُ من باب طَوَيْت ، ثم حُذِفت لامُه تخفيفاً ، وقُلبت العينُ ألفاً لتحركها وانفتاحِ ما قبلها ، وهذا كلُّه على سبيل التمرين وإلا فهذا مبنيٌّ ، والمبني لا يدخله تصريف .
وإنما جيء هنا بإشارة البعيد تعظيماً للمشار إليه ، ومنه :
أقولُ له والرمحُ يَأطُر مَتْنَه *** تأمَّلْ خِفافاً إنَّني أنا ذلكا
أو لأنه لمَّا نَزَل من السماء إلى الأرض أُشير بإشارة البعيد [ أو لأنه كان موعوداً به نبيُّه عليه السلام ، أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدَّره في اللوحِ المحفوظِ ، وفي عبارة المفسرين أُشير بذلك للغائب يَعْنُون البعيد ، وإلاَّ فالمشارُ إليه لا يكون إلا حاضراً ذهناً أو حساً ، فعبَّروا عن الحاضرِ ذهناً بالغائبِ أي حساً ، وتحريرُ القولِ ما ذكرته لك ] .
والكتابُ في الأصل مصدرٌ ، قال تعالى : { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] وقد يُراد به المكتوبُ ، قال :
بَشَرْتُ عيالي إذ رأيتُ صحيفةً *** أَتَتْكَ من الحَجَّاج يُتْلى كتابُها
تُؤَمِّلُ رَجْعَةً مني وفيها *** كتابٌ مثلَ ما لَصِق الغِراءُ
وأصلُ هذه المادةِ الدلالةُ على الجمع ، ومنه كتيبةُ الجيش ، وكَتَبْتُ القِرْبَةَ : خَرَزْتُها ، والكُتْبَةُ -بضم الكاف- الخُرْزَةُ ، والجمع كُتَبٌ ، قال :
وَفْراءَ غَرْفيَّةٍ أَثْأى خوارِزُها *** مُشَلْشِلٌ ضَيَّعَتْهُ بينها الكُتَبُ
وكَتَبْتُ الدابَّةَ : [ إذا جمعتَ بين شُفْرَي رَحِمها بحلَقةٍ أو سَيْر ] ، قال :
لاَ تأْمَنَنَّ فزاريَّاً حَلَلْتَ به *** على قُلوصِك واكتبْها بأَسْيارِ
والكتابةُ عُرْفاً : ضمُّ بعضِ حروفِ الهجاءِ إلى بعضٍ .
والرَّيْبُ : الشكُّ مع تهمة ، قال :
ليس في الحقِ يا أُمَيمةُ رَيْبٌ *** إنما الريبُ ما يقول الكَذوبُ
وحقيقته على ما قال الزمخشري : قَلَقُ النفس واضطرابُها ، ومنه الحديث : " دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك " ، وأنه مَرَّ بظبي خائف فقال : " لا يُرِبْهُ أحد " فليس قول من قال : " الريبُ الشكُّ مطلقاً " بجيدٍ ، بل هو أخصُّ من الشكِّ ، كما تقدَّم .
وقال بعضهم : في الريب ثلاثةُ معانٍ ، أحدُها : الشكُّ . قال ابن الزبعرى :
ليسَ في الحقِ يا أميمةُ رَيْبٌ
وثانيها التهمةُ : قال جميل بثينة :
بُثَيْنَةُ قالت : يا جميلُ أَرَبْتَني *** فقلت : كلانا يابُثَيْنُ مُريبُ
قََضَيْنا من تِهامةَ كلَّ ريبٍ *** وخَيْبَرَ ثم أَجْمَعْنا السيوفا
وقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } يجوز فيه عدةُ أوجهٍ ، أن يكونَ مبتدأ وخبرُه " فيه " متقدماً عليه إذا قلنا : إنَّ خبرَ " لا " محذوف ، وإنْ قلنا " فيه " خبرُها كان خبرُه محذوفاً مدلولاً عليه بخبر " لا " تقديره : لا ريبَ فيه ، فيه هدىً ، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه هو هُدَىً ، وأن يكونَ خبراً ثانياً ل " ذلك " ، على أن " الكتاب " صفة أو بدلٌ أو بيان ، و " لا ريب " خبرٌ أول ، وأن يكون خبراً ثالثاً ل " ذلك " ، على أن يكون " الكتاب " خبراً أول و " لا ريبَ " خبراً ثانياً ، وأن يكونَ منصوباً على الحال من " ذلك " أو من " الكتاب " والعاملُ " فيه " ، على كلا التقديرين اسمُ الإِشارةِ ، وأن يكونَ حالاً ومن الضمير في " فيه " ، والعاملُ ما في الجار والمجرور من معنى الفعل ، وجَعْلُه حالاً ممَّا تقدَّم : إمَّا على المبالغة ، كأنه نفس الهدى ، أو على حذف مضاف أي : ذا هدى أو على وقوعِ المصدر موقعَ اسم الفاعل ، وهكذا كلُّ مصدرٍ وقع خبراً أو صفة أو حالاً فيه الأقوالُ الثلاثةُ أرجحُها الأولُ . وأجازوا أن يكونَ " فيه " صفةً لريب فيتعلَّقَ بمحذوفٍ ، وأن يكونَ متعلقاً بريب ، وفيه إشكالٌ ، لأنه يَصير مُطَوَّلاً ، واسمُ " لا " إذا كان مطولاً أُعرِب ، إلا أَنْ يكونَ مُرادُهم أنه معمولٌ لِما دَلَّ عليه " ريبَ " لا لنفس " ريب " .
وقد تقدَّم معنى " الهدى " عند قوله تعالى : { اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
[ الفاتحة : 6 ] ، و " هُدَى " مصدرٌ على فُعَل ، قالوا : ولم يَجىءْ من هذا الوزن في المصادر إلا : سُرى وبُكى وهُدى ، وقد جاء غيرُها ، وهو : لَقِيْتُه لُقَى ، قال :
وقد زعموا حِلْماً لُقاك ولم أَزِدْ *** بحمدِ الذي أَعْطَاك حِلْماً ولا عَقْلا
والهُدى فيه لغتان : التذكير ، ولم يَذْكُرِ اللِّحياني غيرَه ، وقال الفراء : " بعضُ بني أسد يؤنِّثُه فيقولون : هذه هدىً " .
و " في " معناها الظرفية حقيقةً أو مجازاً ، نحو : زيدٌ في الدار ، { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [ البقرة : 197 ] ، ولها معانٍ أُخَرُ : المصاحَبَةَ نحو : { ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ } [ الأعراف : 38 ] ، والتعليلُ : " إنَّ امرأةً دخلتِ النارَ في هرة " ، وموافقةُ " على " : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [ طه : 71 ] ، والباء : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } [ الشورى : 11 ] أي بسببه ، والمقايَسَةُ : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ } [ التوبة : 38 ] . والهاءُ في " فيه " أصلُها الضمُّ كما تقدَّم من أنَّ هاءَ الكنايةِ أصلُها الضمُّ ، فإنْ تَقَدَّمها ياءٌ ساكنةٌ أو كسرةٌ كَسَرَها غيرُ الحجازيين ، وقد قرأ حمزة : " لأهلهُ امكثوا " وحفص في " عاهد عليهُ الله " ، " وما أنسانيهُ إلا " بلغةِ الحجاز ، والمشهورُ فيها - إذا لم يَلِها ساكنٌ وسَكَنَ ما قبلها نحو : فيه ومنه - الاختلاسُ ، ويجوز الإِشباعُ ، وبه قرأ ابن كثير ، فإنْ تحرَّك ما قبلها أُشْبِعَتْ ، وقد تُخْتَلَسُ وتُسَكَّن ، وقرئ ببعضِ ذلك كما سيأتي مفصلاً .
و " للمتقين " جارٌّ ومجرورٌ متعلقٌ ب " هُدَى " . وقيل : صفةٌ لهدى ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ، ومحلُّه حينئذٍ : إمَّا الرفعُ أو النصبُ بحسَبِ ما تقدم في موصوفه ، أي : هدىً كائنٌ أو كائناً للمتقين . والأحسنُ من هذه الوجوه المتقدمة كلِّها أن تكونَ كلُّ جملةٍ مستقلةً بنفسها ، ف " ألم " جملةٌ إنْ قيلَ إنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، و " ذلك الكتاب " جملةٌ ، و " لا ريبَ " جملةٌ ، و " فيه هدى " جملةٌ ، وإنما تُرِكَ العاطفُ لشدةِ الوَصْلِ ، لأنَّ كلَّ جملةٍ متعلقةٌ بما قبلها آخذةٌ بعُنُقِها تعلُّقاً لا يجوزُ معه الفصلُ بالعطفِ . قال الزمخشري ما معناه : فإن قلت : لِمَ لَمْ يتقدَّمِ الظرفُ على الريب كما قُدِّم على " الغَوْل " في قوله تعالى : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [ الصافات : 47 ] قلت : لأنَّ تقديمَ الظرفِ ثَمَّ يُشْعِرُ بأنَّ غيرَها ما نُفِيَ عنها ، فالمعنى : ليس فيها غَوْلٌ كما في خُمور الدنيا ، فلَو قُدِّم الظرفُ هنا لأَفهمَ هذا المعنى ، وهو أنَّ غيرَه من الكتبِ السماويةِ فيه ريبٌ ، وليس ذلك مقصوداً ، وكأنَّ هذا الذي ذكره أبو القاسم الزمخشري بناءً منه على أن التقديمَ يُفيد الاختصاصَ ، وكأنَّ المعنى أنَّ خمرة الآخرة اختصَّتْ بنفي الغَوْلِ عنها بخلافِ غيرِها ، وللمنازَعةِ فيه مجالٌ .
وقد رامَ بعضُهم الردَّ عليه بطريقٍ آخرَ ، وهو أنَّ العربَ قد وَصَفَتْ/ أيضاً خَمْرَ الدنيا بأنها لا تَغْتَالُ العقولَ ، قال علقمة :
تَشْفي الصُّداعَ ولا يُؤْذيكَ صالِبُها *** وَلاَ يُخَالِطُها في الرأسِ تَدْويمُ
وما أبعد هذا من الردِّ عليه ، إذ لا اعتبارَ بوَصْفِ هذا القائلِ .
فإن قيل : قد وُجِدَ الريبُ من كثيرٍ من الناس في القرآن ، وقولُه تعالى : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ينفي ذلكَ . فالجوابُ من ثلاثة أوجه ، أحدُهما : أنَّ المنفيَّ كونُه متعلقاً للريبِ ، بمعنى أنَّ معه من الأدلَّة ما إنْ تأمَّله المنصِفُ المُحِقُّ لم يَرْتَبْ فيه ، ولا اعتبارَ بريبٍ مَنْ وُجِدَ منه الريبُ ، لأنه لم ينظرْ حقَّ النظرِ ، فَرَيْبُه غَيرُ مُعْتَدٍّ به .
والثاني : أنه مخصوصٌ ، والمعنى : لا ريبَ فيه عند المؤمنين ، والثالث : أنه خبرٌ معناه النهيُ ، أي لا تَرْتابوا فيه . والأول أحسنُ .
و " المتقين " جمعُ مُتَّقٍ ، وأصلُهُ مُتَّقْيِيْن بياءين ، الأولى لامُ الكلمة والثانيةُ علامةُ الجمع ، فاستُثْقِلَتِ الكسرةُ على لام الكلمة وهي الياءُ الأولى فحُذِفَت ، فالتقى ساكنان ، فحُذِف إحداهما ، وهي الأولى ، ومتَّقٍ من اتَّقَى يتَّقِي وهو مُفْتَعِل من الوقاية ، إلا أنه يَطَّرِدُ في الواو والياء إذا كانا فاءَيْن ووقَعَتْ بعدَهما تاءُ الافتعالِ أن يُبْدَلا تاءً نحو : اتَّعَدَ من الوَعْد ، واتَّسَرَ من اليُسْر ، وفِعْلُ ذلك بالهمزة شَاذٌّ ، قالوا : اتَّزر واتَّكل من الإِزار والأكل .
ولافْتَعَلَ اثنا عشرَ معنىً : الاتخاذ نحو : اتَّقى ، والتَّسَبُّب نحو : اعْتَمَلَ ، وفعلُ الفاعلِ بنفسِهِ نحو : اضطرب ، والتخيُّر نحو : انتخب ، والخطف نحو : اسْتَلَبَ ، ومطاوعةُ أفْعَل نحو : انْتَصَفَ مطاوعُ أَنْصَفَ ، ومطاوعةُ فَعَّل نحو : عَمَّمْتُه فاعتمَّ ، وموافقةُ تفاعَلَ وتفعَّل واسْتَفْعَلَ نحو : اجْتَوَر واقتسَمَ واعتصَرَ ، بمعنى تجاور وتقسَّم واسْتَعْصَمَ ، وموافقةُ المجرد نحو : اقتَدَرَ بمعنى قَدَر ، والإِغناءُ عنه نحو : استلم الحجرَ ، لم يُلفظ له بمجردٍ .
والوِقايةُ : فَرْطُ الصيانة وشِدَّةُ الاحتراسِ من المكروه ، ومنه : فرسٌ واقٍ إذا كان يقي حافرُه أدنى شيءٍ يُصيبه . وقيل : هي في أصل اللغة قلةُ الكلام ، وفي الحديث : " التقيُّ مُلْجَمٌ " ومن الصيانة قوله :
سَقَطَ النَّصِيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَه *** فتناوَلَتْه واتَّقَتْنَا باليَدِ
فَأَلْقَتْ قناعاً دونَه الشمسُ واتَّقَتْ *** بأحسنِ مَوْصولينِ كَفٍّ ومِعْصَمِ