قوله تعالى : { كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ } : قرأ البزي بخلاف عنه بتشديد تاء " تَّمَنَّوْنَ " ، ولا يمكنُ ذلك إلا في الوصلِ ، وقاعدتُه أنه يَصِلُ ميم الجمعِ بواوٍ ، وقد تقدَّم تحريرُ هذا عند قوله : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ } [ البقرة : 267 ] .
والضميرُ في " تَلْقَوه " فيه وجهان ، أظهرُهما : عَوْدُه على الموت ، والثاني : عَوْدُه على العدوِّ ، وإنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ لدلالةِ الحالِ عليه .
والجمهور على كسر اللام من " قبل " ؛ لأنها معربةٌ لإِضافتِها إلى أَنْ وما في حَيِّزها أي : مِنْ قبل لقائِه . وقرأ مجاهد بن جبر : " من قبلُ " بضم اللام وقطعها عن الإِضافة كقوله : { لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [ الروم : 4 ] ، وعلى هذا ف " أَنْ " وما في حَيِّزها في محلِّ نصب على أنها بدلُ اشتمال من الموت أي : تَمَنَّون لقاء الموتِ كقولك : " رَهَبْتُ العدوَّ لقاءَه " . وقرأ الزهري والنخعي : " تُلاقُوه " ومعناه معنى " تَلْقَوه " لأن " لَقِي " يستدعي أن يكونَ بين اثنين عادةً وإنْ لم يكن على المفاعلة .
قوله : { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } الظاهرُ أن الرؤيةَ بصريةٌ فتكفي بمفعول واحد ، وجَوَّزوا أن تكونَ عِلْمية فتحتاجَ إلى مفعول ثان هو محذوف أي : فقد علمتموه حاضراً أي : الموت ، إلاَّ أنَّ حَذْفَ أحد المفعولين في باب " ظن " ليس بالسهل ، حتى إنَّ بعضَهم يَخُصُّه بالضرورة كقول عنترة :
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظُنِّي غيرَه *** مِنِّي بمنزلةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ
أي : فلا تَظُنِّي غيرَه واقعاً مني .
قوله : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } يجوزُ أَنْ تكونَ حاليةً ، وهي حالٌ مؤكدة رَفَعَتْ ما تحتملُه الرؤيةُ من المجاز أو الاشتراك ، أي : بينهما وبين رؤية القلب ، ويجوزُ أن تكونَ مستأنفةً ، بمعنى : وأنتم تنظرون في فِعْلِكم الآن بعد انقضاءِ الحرب هل وَفَّيْتُم أو خالَفتم ؟ وقال ابن الأنباري : " رأيتموه " أي : قابَلْتُموه وأنتم تنظُرون بعيونكم ، ولهذه العلةِ ذَكَرَ النظرَ بعد الرؤية حين اختلف معناهما ، لأنَّ الأولَ بمعنى المقابلة والمواجهة ، والثاني : بمعنى رؤيةِ العين " وهذا غيرُ معروفٍ عند أهل اللسان ، أعني إطلاقَ الرؤيةِ على المقابلة والمواجهة ، وعلى تقدير صحتِه فتكونُ الجملةُ من قوله : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } جملةً حاليةً مبينِّة لا مؤكدةً ؛ لأنها أفادَتْ معنىً زائداً على معنى عاملها ، ويجوز أن يُقَدَّر ل " ينظرون " مفعولاً ، ويجوز ألاَّ يُقَدَّر ، إذ المعنى : وأنتم من أهل النظر . واللهُ تعالى أعلمُ ولله الحمد والمِنَّة/ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.