فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (143)

والخطاب في قوله ( ولقد كنتم تمنون الموت ) لمن كان يتمنى القتال والشهادة في سبيل الله ممن لم يحضر يوم بدر فإنهم كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال ، فلما كان يوم أحد انهزموا مع أنهم الذين ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخروج ولم يصبر منهم إلا نفر يسير مثل أنس ابن النضر عم أنس بن مالك .

وقد ورد النهي عن تمني الموت فلا بد من حمله هنا على الشهادة يعني حالة الشهداء من رفع المنزلة في الجنة وغير ذلك ، ويكون المراد بالموت هنا ما يؤول إليه لا نفس الشهادة لأنها مستلزمه لتمني الموت وغلبة الكفار .

وعلى هذا التأويل يزول الإشكال لأن من طلب الجنة لا يقال أنه تمنى الموت ، قال القرطبي : وتمني الموت من المسلمين يرجع إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد لا إلى قتل الكفار لهم لأنه معصية وكفر ، ولا يجوز إرادة المعصية وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله ان يرزقهم الشهادة فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل .

( من قبل أن تلقوه ) أي القتال او الشهادة التي هي سبب الموت او العود على العدو ، والجمهور على كسر لام من قبل لأنها معربة لإضافتها إلى أن أي من قبل لقائه وقرئ تلاقوه ومعناه معنى تلقوه لأن لقي يستدعي ان يكون بين اثنين بمادته وإن يكن على المفاعلة .

( فقد رأيتموه ) أي القتال أو ما هو سبب للموت يوم أحد ، والظاهر أن الرؤية بصرية ، وقيل علمية أي فقد علموا الموت حاضرا ( وأنتم تنظرون ) قيد الرؤية بالنظر مع اتحاد معناهما للمبالغة أي قد رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم من قتل منكم .

قال الأخفش :إن التكرير بمعنى التأكيد مثل قوله ( ولا طائر يطير بجناحيه ) وقيل معناه بصراء ليس في أعينكم علل تتأملون الحال كيف هي فلم انهزمتم ، وقيل معناه وأنتم تنظرون إلى محمد صلى الله عليه وسلم .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ، ونستشهد ، أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلي فيه خيرا ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق فأشهدهم الله أحدا فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم ، فقال الله ( ولقد كنتم تمنون الموت ) الآية وفيه توبيخ لهم على أنهم تمنوا الحرب . وتسببوا فيها ثم جبنوا وانهزموا عنها ، أو توبيخ لهم على الشهادة فإن في تمنيها تمني غلبة الكافرين{[378]} .


[378]:وقد ورد في سيرة هشام انهم بعد ان دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم للبس لأمته لاموا أنفسهم اذ اختاروا عكس رأي النبي فطلبوا عنه عدم الخروج فرفض ذلك عليه الصلاة والسلام.وخرج بهم الى أحد وكان ما كان من حوادث وفرار وتخلف ومعصية أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام.