الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠} (10)

قوله : { إِذْ جَآءُوكُمْ } : بدلٌ من " إذ " الأولى . وقرأ الحسنُ " الجَنود " بفتح الجيم . والعامَّةُ بضمِّها . و " جنوداً " عطفٌ على " ريحاً " . و " لم تَرَوْها " صفةٌ لهم . ورُوِي عن أبي عمرو وأبي بكرة " لم يَرَوْها " بياءِ الغَيْبة .

قوله : " الحَناجرَ " جمع حَنْجَرة وهي رأسُ الغَلْصَمَة ، والغَلْصَمَةُ مُنتهى الحُلْقوم ، والحُلْقُوْمُ مَجْرى الطعامِ والشرابِ . وقيل : الحُلْقُوم مَجْرى النَّفَس ، والمَرِي : مَجْرى الطعام والشراب وهو تحت الحُلْقوم . وقال الراغب : " رأسُ الغَلْصَمَة من خارج " .

وقوله : " الظنونا " قرأ نافع وابنُ عامر وأبو بكر بإثبات ألفٍ بعد نون " الظُّنونا " ولامِ " الرسول " في قوله : { وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ } [ الأحزاب : 66 ] ولام " السَّبيل " في قوله : { فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ } [ الأحزاب : 67 ] وَصْلاً ووَقْفاً موافقةً للرسمِ ؛ لأنهنَّ رُسِمْنَ في المصحف كذلك . وأيضاً فإنَّ هذه الألفَ تُشْبه هاءَ السكتِ لبيانِ الحركة ، وهاءُ السكتِ تَثْبُتُ وقفاً ، للحاجة إليها . وقد ثَبَتَتْ وصلاً إجراءً للوصل مُجْرى الوقف كما تقدَّم في البقرة والأنعام . فكذلك هذه الألفُ . وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ بحَذْفِها في الحالَيْن ؛ لأنها لا أصلَ لها . وقولُهم : " أُجْرِيَتْ الفواصلُ مُجْرى القوافي " غيرُ مُعْتَدٍّ به ؛ لأنَّ القوافي يَلزَمُ الوقفُ عليها غالباً ، والفواصلُ لا يَلْزَمُ ذلك فيها فلا تُشَبَّهُ بها . والباقون بإثباتِها وَقْفاً وحَذْفِها وَصْلاً إجراءً للفواصلُ مُجْرى القوافي في ثبوتِ ألفِ الإِطلاق كقولِه :

اسْتأثَرَ اللَّهُ بالوفاءِ وبال *** عَدْلِ ووَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا

وقوله :

أقِلِّي اللومَ عاذلَ والعِتابا *** وقُولي إن أَصَبْتُ لقد أصابا

ولأنها كهاءِ السكت ، وهي تَثْبُتُ وقفاً وتُخَفَّفُ وصلاً . قلت : كذا يقولون تشبيهاً للفواصلِ بالقوافي ، وأنا لا أحب هذه العبارةَ فإنها مُنْكَرَة لفظاً ولا خلافَ في قوله : { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } [ الأحزاب : 4 ] أنه بغيرِ ألفٍ في الحالين .