الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

قوله : { مَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } : " ما " موصولةٌ أو موصوفةٌ . وفي " إنْ " ثلاثةُ أوجهٍ : شرطية وجوابُها محذوفٌ . والجملةُ الشرطيةُ صلةُ ما والتقديرُ : في الذي إنْ مَكَّنَّاكم فيه طَغَيْتُم . والثاني : أنها مزيدةٌ تشبيهاً للموصولةِ ب " ما " النافيةِ والتوقيتيةِ . وهو كقوله :

4047 يُرَجِّي المرءُ ما إنْ لا يَراهُ *** وتَعرِضُ دونَ أَدْناه الخُطوبُ

والثالث : - وهو الصحيحُ - أنها نافيةٌ بمعنى : مَكَّنَّاهم في الذي ما مكَّنَّاكم فيه من القوةِ والبَسْطَةِ وسَعَةِ الأرزاق . ويدلُّ له قولُه تعالى في مواضعَ :

{ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [ الروم : 9 ] وأمثالِه . وإنما عَدَلَ عن لفظِ " ما " النافية إلى " إنْ " كراهيةً لاجتماعِ متماثلَيْن لفظاً . قال الزمخشري : " وقد أَغَثَّ أبو الطيبِ في قولِه :

4048 لَعَمْرُك ما ما بان منك لِضاربٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وما ضَرَّه لو اقتدى بعُذوبة لفظِ التنزيل فقال : " ما إنْ بانَ منك " .

قوله : " فما أَغْنَى " يجوزُ أَنْ تكونَ " ما " نفياً ، وهو الظاهرُ أو استفهاماً للتقرير . واستبعده الشيخُ لأجْلِ قولِه : " مِنْ شيء " قال : " إذ يصيرُ التقديرُ : أيُّ شيء أغنى عنهم مِنْ شيءٍ ، فزاد " مِنْ " في الواجب ، وهو لا يجوزُ على الصحيح " . قلت : قالوا تجوزُ زيادُتها في غيرِ الموجَبِ وفََسَّروا غيرِ الموجَبِ بالنفيِ والنهيِ والاستفهامِ ، وهذا استفهامٌ .

قوله : " إذ كانوا " معمولٌ ل " أَغْنى " وهي مُشْرَبَةٌ معنى التعليلِ أي : لأنهم كانوا يَجْحَدُون .