تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (49)

وقوله تعالى : ( ومنهم من يقول ائذن لي ) فيه دلالة أنه لا كل المنافقين قالوا إنما قال ذلك بعضهم ، قال غير هذا .

وقوله تعالى : ( ولا تفتني ) [ قيل فيه وجهين :

أحدهما : ][ ساقطة من الأصل و م ] قيل : ولا تؤثمني ، وقيل : ولا تُخرجُني ، وقيل : لا تُكفرني ، وهو واحد . يقول : من قال : ( ولا تفتني ) أي لا تكن سبب فتنتي ومعصيتي ، أي لا تأمرني بالخروج ، ولكن ائذن لي بالقعود لأنك إن أمرتني بالخروج ، ولم تأذن بالقعود والتخلف ، فقعدت ، وتخلفت ، وكنت عاصيا تاركا لأمرك ، فكنت أنت سبب عصياني وفتنتي .

والثاني : قوله : ( ولا تفتني ) أي لا تأمرني المشقة والشدة ولكن بالدعة [ لأنهم كانوا عبا ذوي السعة ][ في الأصل : هم كانوا عباد السعة ، ساقطة من م ] والرخاء ، حيث كانوا مالوا إليهم كقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف )الآية[ الحد : 11 ] يقول : لا تكن سبب إثمي وانقلابي ،

ومنهم من قال : إن رجلا منهم ، يقال له : الجد بن قيس ، قال[ أدرجت في الأصل وم : قبل : يقال ] : إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ، ولكن أعينك بمال . ففيه نزل قوله : ( قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم )[ التوبة : 53 ] وهو قول ابن عباس ؛ يقول : لا تأمرني بالخروج فإني مولع بالنساء ، لا أصبر إذا رأيتهن . ولا ندري كيف كانت القصة ؟ لكن الوجه فيه ما ذكرنا آنفا .

قوله تعالى : ( ولا تفتني ) أي ولا تمتحني بالمحنة التي فيها الهلاك والمشقة ، فقال : ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) أي ألا في المشقة والبلاء والهلاك سقطوا . هذا يدل أن أهل النفاق ، هم الكفرة .

وقوله تعالى : ( ألا في الفتنة سقطوا ) أي ألا في الشر والإثم سقطوا على تأويل من تأول قوله : ( ولا تفتني ) لا تؤثمني ، ولا تخرجني . وعلى تأويل من قال : ( ولا تفتني ) لا تشق علي ، ولا تأمرني بالمشقة والشدة والضيق ؛ يقول : ألا في الشدة والضيق يسقطون .

وقوله تعالى : ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) أي تحيط بهم حتى لا يجدوا[ في الأصل وم : يجدون ] منفذا ولا مخلصا ، أو تحيط بهم من تحت ومن فوق وأمام وخلف ويمين وشمال ، تحيط بهم حتى تصيب كل جارحة منهم كقوله : ( لهم من فوقهم ظلل من النار ) الآية[ الزمر : 16 ] أخبر أنها تحيط بهم .

وفيه دلالة أن المنافقين هم كفار لأنه ذكر في أول الآية صفة المنافقين ، ثم أخبر أن ( جهنم لمحيطة بالكافرين ) .