فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (49)

{ ومنهم } أي من المنافقين { من يقول } لرسول الله صلى الله عليه وسلم { ائذن لي } في التخلف عن الجهاد { ولا تفتني } أي لا توقعني في الفتنة أي المعصية والإثم إذا لم تأذن لي فتخلفت بغير إذنك ، وقيل معناه لا توقعني في الهلكة بالخروج .

عن ابن عباس قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال للجدّ بن قيس : يا جد بن قيس ما تقول في مجاهدة بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله إني امرؤ صاحب نساء ، ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن ، فأذن لي ولا تفتني ، فأنزل الله { ومنهم من يقول ائذن لي } الآية{[898]} .

{ ألا في الفتنة سقطوا } أي في نفس الفتنة ، وهي فتنة التخلف عن الجهاد والاعتذار الباطل ، والمعنى أنهم ظنوا أنهم بالخروج أو بترك الإذن لهم يقعون في الفتنة وهم بهذا التخلف سقطوا في الفتنة العظيمة ، وفي التعبير بالسقوط ما يشعر بأنهم وقعوا فيها وقوع من يهوي من أعلى إلى أسفل ، وذلك أشد من مجرد الدخول في الفتنة .

ثم توعدهم على ذلك فقال : { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } أي مشتملة عليهم من جميع الجوانب لا يجدون عنها مخلصا ، ولا يتمكنون من الخروج منها بحال من الأحوال ، وهذا وعيد لهم على ما فعلوا معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه ، وقصة تبوك مذكورة في كتب الحديث والسير فلا نطول بذكرها .


[898]:- ابن كثير 2/ 361.