الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا} (8)

قوله تعالى : " فألهمها " أي عرفها ، كذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد . أي عرفها طريق الفجور والتقوى ، وقاله ابن عباس . وعن مجاهد أيضا : عرفها الطاعة والمعصية . وعن محمد بن كعب قال : إذا أراد الله عز وجل بعبده خيرا ، ألهمه الخير فعمل به ، وإذا أراد به السوء ، ألهمه الشر فعمل به . وقال الفراء : " فألهمها " قال : عرفها طريق الخير وطريق الشر ، كما قال : " وهديناه النجدين{[16093]} " [ البلد : 10 ] . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : ألهم المؤمن المتقي تقواه ، وألهم الفاجر فجوره . وعن سعيد عن قتادة قال : بين لها فجورها وتقواها . والمعنى متقارب . وروي عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " فألهمها فجورها وتقواها " قال : [ اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ] . ورواه جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية : " فألهمها فجورها وتقواها " رفع صوته بها ، وقال : [ اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وأنت خير من زكاها ] . وفي صحيح مسلم ، عن أبي الأسود الدؤلي قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس اليوم ، ويكدحون فيه ، أشيء قضي ومضى عليهم من قدر سبق ، أو فيما يستقبلون{[16094]} مما أتاهم به نبيهم ، وثبتت الحجة عليهم ؟ فقلت : بل شيء قضي عليهم ، ومضى عليهم . قال فقال : أفلا يكون ظلما ؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا ، وقلت : كل شيء خلق الله وملك يده ، فلا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون . فقال لي : يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر{[16095]} عقلك ، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه : أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم . وثبتت الحجة عليهم ؟ فقال : ( لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم . وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : " ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها " ) . والفجور والتقوى : مصدران في موضع المفعول به .


[16093]:آية 10 سورة البلد.
[16094]:في بعض الأصول: "مما يستقبلون به .... الخ".
[16095]:أي لأمتحن عقلك وفهمك ومعرفتك.