البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَۖ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن يُنكِرُ بَعۡضَهُۥۚ قُلۡ إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَلَآ أُشۡرِكَ بِهِۦٓۚ إِلَيۡهِ أَدۡعُواْ وَإِلَيۡهِ مَـَٔابِ} (36)

نزلت في مؤمني أهل الكتابين ، ذكره الماوردي ، واختاره الزمخشري فقال : من أسلم من اليهود كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ، ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلاً : أربعون من نجران ، وثمانية من اليمن ، وإثنان وثلاثون من الحبشة .

ومن الأحزاب يعني : ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة نحو : كعب بن الأشرف وأصحابه ، والسيد والعاقب أسقفي نجران وأشياعهما ، من ينكر بعضه لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم غير محرف ، وكانوا ينكرون ما هو نعت الإسلام ، ونعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما حرفوه وبدلوه انتهى .

وعن ابن عباس ، وابن زيد : في مؤمني اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه ، وعن قتادة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، مدحهم الله تعالى بأنهم يسرون بما أنزل إليك من أمر الدين .

وعن مجاهد ، والحسن ، وقتادة : أن المراد بأهل الكتاب جميعهم يفرحون بما أنزل من القرآن ، إذ فيه تصديق كتبهم ، وثناء على أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم الذين هم على دين موسى وعيسى عليهما السلام .

وضعف هذا القول بأنّ همهم به أكثر من فرحهم ، فلا يعتد بفرحهم .

وأيضاً فإنّ اليهود والنصارى ينكرون بعضه ، وقد قذف تعالى بين الذين ينكرون بعضه وبين الذين آتيناهم الكتاب .

والأحزاب قال مجاهد : هم اليهود ، والنصارى ، والمجوس .

وقالت فرقة : هم أحزاب الجاهلية من العرب .

وقال مقاتل : الأحزاب بنو أمية ، وبنو المغيرة ، وآل أبي طلحة .

ولما كان ما أنزل إليه يتضمن عبادة الله ونفي الشريك ، أمر بجواب المنكرين ، فقيل له : قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ، فإنكاركم لبعض القرآن الذي أنزل لعبادة الله وتوحيده ، وأنتم تدعون وجوب العبادة ونفي الشريك إليه ، أدعوا إلى شرعه ودينه ، وإليه مرجعي عند البعث يوم القيامة في جميع أحوالي في الدنيا والآخرة .

وقرأ أبو جليد عن نافع : ولا أشرك بالرفع على القطع أي : وأنا لا أشرك به .

وجوز أن يكون حالاً أي : أنْ أعبد الله غير مشرك به .