تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَۖ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن يُنكِرُ بَعۡضَهُۥۚ قُلۡ إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَلَآ أُشۡرِكَ بِهِۦٓۚ إِلَيۡهِ أَدۡعُواْ وَإِلَيۡهِ مَـَٔابِ} (36)

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) يشبه أن تكون الآية صلة قوله : ( وهم يكفرن بالرحمن )[ الآية : 30 ] فأخبر عز وجل ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) بذكر الرحمن .

ثم اختلف في قوله : ( والذين آتيناهم الكتاب ) قال بعضهم : أصحاب محمد فرحوا بما أنزل إلى رسول الله .

وقال بعضهم : ( والذين آتيناهم الكتاب ) أهل التوراة ( يفرحون بما أنزل إليك ) يذكر ههنا أنهم يفرحون بما أنزل إليك ، ويذكر في موضع آخر :

( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير )[ البقرة : 105 ] .

وقال بعضهم في موضع آخر : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به )[ البقرة : 121 ] فمن تلا منهم الكتاب حق تلاوته ، ولم يبدله ، ولم يغيره ، فهو يؤمن به ، ويفرح بما أنزل على محمد ، ومن غيره ، ويدله ، فهو لم يفرح بما أنزل عليه .

وقوله تعالى : ( والذين آتيناهم الكتاب ) تأويله ، والله أعلم : والذين آتينا منافع الكتاب أولئك ( يفرحون بما أنزل إليك ) وهو ما قال في آية أخرى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته )[ البقرة : 121 ] لأن أكثرهم يفرحون بما أنزل على محمد .

وقوله تعالى : ( وَمِنْ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ ) يحتمل أهل الكتاب ؛ كانوا ينكرون بعض ما أنزل إليه ، لا ينكرون كل ما أنزل إليه ، وإنما كانوا ينكرون بعثه[ في الأصل وم : نعته ] وصفته التي في كتبهم .

ويحتمل قوله ( وَمِنْ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ ) مشركي العرب ، وهم أيضا أنكروا بعض ما أنزل إليه ، وهو ما ذكر ( وهم يكفرون بالرحمن )[ الآية : 30 ] وقوله : ( أجعل الآلهة إلها واحدا )[ ص : 5 ] ونحوه ، لم ينكروا كله .

وقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو ) كان هذا [ الذي ][ ساقطة من الأصل وم ] قال على إثر قول كان منهم ؛ كأنهم دعوه إلى أن يشاركهم في عبادة الأصنام ، أو دعوه أن يكون على ما كان آباؤهم ، فقال : ( وإليه مآب ) .

ويحتمل قوله : ( ولا أشرك به ) [ أنه قال ذلك في ][ في الأصل وم : قال ذلك من ] نفسه ( إليه أدعوا ) يقول : إلى توحيد الله أدعو غيري ، ثم أخالف ، وأعبد غيره ( وإليه مآب ) أي إليه المرجع .