البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ إِذَا كِلۡتُمۡ وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلٗا} (35)

القسطاس بضم القاف وكسرها وبالسين الأولى والصاد .

قال مؤرج السدوسي : هي الميزان بلغة الروم وتأتي أقوال المفسرين فيه .

{ وأوفوا بالعهد } عام فيما عقده الإنسان بينه وبين ربه ، أو بينه وبين آدمي في طاعة { إن العهد كان مسؤولاً } ظاهره أن العهد هو المسؤول من المعاهد أن يفي به ولا يضيعه أو يكون من باب التخييل ، كأنه يقال للعهد : لم نكثت ، فمثل كأنه ذات من الذوات تسأل لم نكثت دلالة على المطاوعة بنكثه وإلزام ما يترتب على نكثه ، كما جاء { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت } فيمن قرأ بسكون اللام وكسر التاء التي للخطاب .

وقيل : هو على حذف مضاف أي إن ذا العهد كان مسؤولاً عنه إن لم يف به .

ثم أمر تعالى بإيفاء الكيل وبالوزن المستقيم ، وذلك مما يرجع إلى المعاملة بالأموال .

وفي قوله { وأوفوا الكيل } دلالة على أن الكيل هو على البائع لأنه لا يقال ذلك للمشتري .

وقال الحسن : { القسطاس } القبان وهو القلسطون ويقال القرسطون .

وقال مجاهد : { القسطاس } العدل لا أنه آلة .

وقرأ الأخوان وحفص بكسر القاف ، وباقي السبعة بضمها وهما لغتان .

وقرأت فرقة بالإبدال من السين الأولى صاداً .

قال ابن عطية : واللفظية للمبالغة من القسط انتهى .

ولا يجوز أن يكون من القسط لاختلاف المادتين لأن القسط مادته ( ق س ط ) ، وذلك مادته ( ق س ط س ) إلاّ إن اعتقد زيادة السين آخراً كسين قدموس وضغيوس وعرفاس ، فيمكن لكنه ليس من مواضع زيادة السين المقيسة والتقييد بقوله : { إذا كلتم } أي وقت كيلكم على سبيل التأكيد ، وأن لا يتأخر الإيفاء بأن يكيل به بنقصان مّا ثم يوفيه بعد فلا يتأخر الإيفاء عن وقت الكيل .

{ ذلك خير } أي الإيفاء والوزن لأن فيه تطييب النفوس بالاتسام بالعدل والإيصال للحق { وأحسن تأويلاً } أي عاقبة ، إذ لا يبقى على الموفى والوازن تبعة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو من المآل وهو المرجع كما قال : خير مرداً ، خير عقباً ، خير أملاً وإنما كانت عاقبته أحسن لأنه اشتهر بالاحتراز عن التطفيف ، فعوِّل عليه في المعاملات ومالت القلوب إليه .