قوله تعالى : { وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ } الآية ، لما أمر تعالى بإتمام الكيل ، ذكر الوعيد الشديد في نقصانه كما في قوله تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [ المطففين : 1-3 ] .
ثم قال تعالى : { وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم } .
وهذا هو النوع الثالث من الأوامر المذكورة ها هنا ، فالآية المتقدمة في إتمام الكيل ، وهذه في إتمام الوزن ، ونظيره قوله عزَّ وجلَّ : { وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان } [ الرحمن : 9 ] { وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ } [ هود : 85 ] .
قرأ الأخوان{[20409]} وحفص بكسر القاف ها هنا وفي سورة الشعراء ، والباقون بضمها فيهما ، وهما لغتان مشهورتان ، فقيل : القسطاس في معنى الميزان ، إلاَّ أنَّه في العرف أكبر منه ، ولهذا اشتهر في ألسنة العامة أنَّه القبَّان ، وقيل : إنه بلسانِ الرُّوم أو السرياني ، والأصح أنه لغة العرب ، وقيل أيضاً القرسطون . وقيل : هو كل ميزان ، صغر أم كبر ، أي : بميزان العدل .
قال ابن عطيَّة - رحمه الله- : هو عربيٌّ مأخوذٌ من القسطِ ، وهو العدل ، أي : زنوا بالعدل المستقيم ، واللفظة للمبالغة من القسط ، وردَّه أبو حيَّان باختلاف المادَّتين ، ثم قال : " إلاَّ أن يدَّعي زيادةَ السِّين آخراً كقدموس ، وليس من مواضع زيادتها " ويقال بالسِّين والصَّاد .
اعلم أنَّ التفاوت الحاصل بنقصان الكيل والوزن قليل ، والوعيد عليه شديد عظيم ، فيجب على العاقل الاحتراز منه ، وإنَّما عظم الوعيد فيه ؛ لأنَّ جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء ، فبالغ الشَّرع في المنع من التطفيف والنقصان ؛ لأجل إبقاء الأموال ؛ ومنعاً من تلطيخ النفس بسرقةِ ذلك المقدار الحقير ، ثم قال : " ذلك خير " ، أي الإيفاء بالتَّمام والكمال خير من التطفيف بالقليل ؛ لأنَّ الإنسان يتخلَّص بالإيفاء عن ذكر القبيح في الدنيا ، والعقاب الشديد في الآخرة .
{ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } منصوب على التفسير ، والتأويل ما يئولُ إليه الأمر ؛ كقوله تعالى : { وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } [ مريم : 76 ] ، { وَخَيْرٌ أَمَلاً } [ الكهف : 46 ] { وَخَيْرٌ عُقْباً } [ الكهف : 44 ] ، وإنما حكم الله تعالى بأنَّ عاقبة هذا الأمر أحسنُ العواقب ؛ لأنه إذا اشتهر في الدنيا بالاحتراز عن التطفيف ، أحبَّه الناس ، ومالت القلوبُ إليه ، واستغنى في الزَّمنِ القليل .
وأمَّا في الآخرة : فيفوزُ بالجنَّة والثوابِ العظيمِ ، والخلاصِ من العقاب الأليم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.