البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۡ وَجَعَلَ لَهُمۡ أَجَلٗا لَّا رَيۡبَ فِيهِ فَأَبَى ٱلظَّـٰلِمُونَ إِلَّا كُفُورٗا} (99)

وتقدم الكلام على قوله { وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً } في هذه السورة فأغنى عن إعادته ، ولما أنكروا البعث نبههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته فقال : { أو لم يروا } وهو استفهام إنكار وتوبيخ لهم على ما كانوا يستبعدونه من الإعادة ، واحتجاج عليهم بأنهم قد رأوا قدرة الله على خلق هذه الأجرام العظيمة التي بعض ما تحويه البشر ، فكيف يقرون بخلق هذا المخلوق العظيم ثم ينكرون إعادة بعض مما حله وذلك مما لا يحيله العقل بل هو مما يجوزه ، ثم أخبر الصادق بوقوعه فوجب قبوله والرؤية هنا رؤية القلب وهي العلم ، ومعنى { مثلهم } من الإنس لأنهم ليسوا أشد خلقاً منهن كما قال { أأنتم أشد خلقاً أم السماء } وإذا كان قادراً على إنشاء أمثالهم من الإنس من العدم الصرف فهو قادر على أن يعيدهم كما قال { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } وهو أهون عليه .

وعطف قوله { وجعل لهم } على قوله { أو لم يروا } لأنه استفهام تضمن التقرير والمعنى قد علموا بدليل العقل كيت وكيت { وجعل لهم } أي للعالمين ذلك { أجلاً لا ريب فيه } وهو الموت أو القيامة ، وليس هذا الجعل واحداً في الاستفهام المتضمن التقرير ، أو إن كان الأجل القيامة لأنهم منكروها وإذا كان الأجل الموت فهو اسم جنس واقع موقع آجال : { فأبى الظالمون } وهم الواضعون الشيء غير موضعه على سبيل الاعتداء { إلاّ كفوراً } جحوداً لما أتى به الصادق من توحيد الله وإفراده بالعبادة ، وبعثهم يوم القيامة للجزاء .