محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۡ وَجَعَلَ لَهُمۡ أَجَلٗا لَّا رَيۡبَ فِيهِ فَأَبَى ٱلظَّـٰلِمُونَ إِلَّا كُفُورٗا} (99)

ثم احتج تعالى عليهم ، ونبههم على قدرته على ذلك بقوله : { * أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا } .

{ أو لم يروا } أي يعلموا : { أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم } أي يوم القيامة . ينشئهم نشأة أخرى ويعيدهم كما بدأهم . والمعنى : قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السماوات والأرض ، فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس . لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن . كما قال{[5501]} : { أأنتم أشد خلقا أم السماء } ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء . بل هي أهون .

قال الشهاب : ولا حاجة إلى جعل ( مثل ) هنا كناية عنهم . كقوله : ( مثلك لا يبخل ) مع أنه صحيح . ولو جعل خلق مثلهم عبارة عن الإعادة ، كان أحسن { وجعل لهم أجلا / لا ريب فيه } أي جعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلا مضروبا ومدة مقدرة لابد من انقضائها . كما قال تعالى{[5502]} : { وما نؤخره إلا لأجل معدود } ، { فأبى الظالمون } أي بعد قيام الحجة عليهم ووضوح الدليل . { إلا كفورا } أي جحودا وتماديا في باطلهم وضلالهم .

لطيفة :

قال الشهاب : هذه الجملة جملة وجعل الخ معطوفة على جملة { أو لم يروا } لأنها وإن كانت إنشائية ، فهي مؤولة بخبرية كما في ( شرح الكشاف ) إذ معناها : قد علموا بدلالة العقل أنه قادر على البعث والإعادة { وجعل لهم } أي لإعادتهم { أجلا } وهو يوم القيامة يعني أنهم علموا إمكانها وإخبار الصادق بها وضربه لها أجلا . فيجب التصديق به . أو جعل لهم أجلا ، وهو الموت والإنسلاخ عن الحياة . ولا يخفى على عاقل أنه لم يخلق عبثا . فلا بد أن يجزى بما عمله في هذا الدار . فلا معنى للإنكار . فظهر ارتباط المتعاطفين ، لفظا ومعنى و { لا ريب فيه } ظاهر على الثاني . وعلى الأول معناه : لا ينبغي إنكاره لمن تدبر . وقيل : إنها معطوفة على قوله : { يخلق } .


[5501]:[79 / النازعات / 27].
[5502]:[11 / هود / 104].