البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} (1)

مقدمة السورة:

الفرقان

هذه السورة مكية في قول الجمهور .

وقال ابن عباس وقتادة : إلاّ ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } إلى قوله { وكان الله غفوراً رحيماً } وقال الضحاك مدنية إلا من أولها إلى قوله { ولا نشوراً } فهو مكي .

0

0

و { تبارك } تفاعل مطاوع بارك وهو فعل لا يتصرف ولم يستعمل في غيره تعالى فلا يجيء منه مضارع ولا اسم فاعل ولا مصدر .

وقال الطرماح :

تباركت لا معط لشيء منعته *** وليس لما أعطيت يا رب مانع

قال ابن عباس : لم يزل ولا يزول .

وقال الخليل : تمجد .

وقال الضحاك : تعظم .

وحكى الأصمعي تبارك عليكم من قول عربي صعد رابية فقال لأصحابه ذلك ، أي تعاليت وارتفعت .

ففي هذه الأقوال تكون صفة ذات .

وقال ابن عباس أيضاً والحسن والنخعي : هو من البركة وهي التزايد في الخير من قبله ، فالمعنى زاد خيره وعطاؤه وكثر ، وعلى هذا يكون صفة فعل وجاء الفعل مسنداً إلى { الذي } وهم وإن كانوا لا يقرون بأنه تعالى هو الذي نزل الفرقان فقد قام الدليل على إعجازه فصارت الصلة معلومة بحسب الدليل ، وإن كانوا منكرين لذلك .

وتقدّم في آل عمران لمَ سمي القرآن فرقاناً .

وقرأ الجمهور { على عبده } وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

وقرأ ابن الزبير على عباده أي الرسول وأمته كما قال { لقد أنزلنا إليكم } { وما أنزل إلينا } ويبعد أن يراد بالقرآن الكتب المنزلة ، وبعبده من نزلت عليهم فيكون اسم جنس كقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } والضمير في { ليكون } .

قال ابن زيد : عائد على { عبده } ويترجح بأنه العمدة المسند إليه الفعل وهو من وصفه تعالى كقوله { إنّا كنا منذرين } والظاهر أن { نذيراً } بمعنى منذر .

وجوز أن يكون مصدراً بمعنى لإنذر كالنكير بمعنى الإنكار ، ومنه { فكيف كان عذابي ونذر } و { للعالمين } عام للإنس والجن ، ممن عاصره أو جاء بعده وهذا معلوم من الحديث المتواتر وظواهر الآيات .

وقرأ ابن الزبير { للعالمين } للجن والإنس وهو تفسير { للعالمين } .