البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَـٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ} (47)

ولما لاطفهم في الخطاب أغلظوا له وقالوا : { اطيرنا بك وبمن معك } : أي تشاءمنا بك وبالذين آمنوا معك .

ودل هذا العطف على أن الفريقين كانوا مؤمنين وكافرين لقوله : { وَبِمَن مَّعَكَ } ، وكانوا قد قحطوا .

وتقدم الكلام في معنى التطير في سورة الأعراف ، جعلوا سبب قحطهم هو ذات صالح ومن آمن معه ، فرد عليهم بقوله : { طائركم عند الله } : أي حظكم في الحقيقة من خير أو شر هو عند الله وبقضائه ، إن شاء رزقكم ، وإن شاء حرمكم .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يريد عملكم مكتوب عند الله ، فمنه نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ، ومنه طائركم معكم ، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه .

وقرىء : تطيرنا بك على الأصل ، ومعنى تطير به : تشاءم به ، وتطير منه : نفر عنه . انتهى .

ثم انتقل إلى الإخبار عنهم بحالهم فقال : { بل أنتم قوم تفتنون } ، أي تختبرون ، أو تعذبون ، أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة ، أو تفتنون بشهواته : أي تشفعون بها ، كما يقال : فتن فلان بفلان .

وقال الشاعر :

داء قديم في بني آدم *** فتنة إنسان بإنسان

وهذه أقوال يحتملها لفظ تفتنون ، وجاء تفتنون بتاء الخطاب على مراعاة أنتم ، وهو الكثير في لسان العرب .

ويجوز يفتنون بياء الغيبة على مراعاة لفظ قوم ، وهو قليل .

تقول العرب : أنت رجل تأمر بالمعروف ، بتاء الخطاب وبياء الغيبة .