فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَـٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ} (47)

فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح والكلام اللين أنهم { قَالُواْ اطيرنا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } أصله تطيرنا ، وقد قرئ بذلك ، والتطير التشاؤم : أي تشاءمنا منك وبمن معك ممن أجابك ودخل في دينك ، وذلك لأنه أصابهم قحط فتشاءموا بصالح ، وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة وأشقاهم بها ، وكانوا إذا أرادوا سفراً أو أمراً من الأمور نفروا طائراً من وكره فإن طار يمنة ساروا ، وفعلوا ما عزموا عليه ، وإن طار يسرة تركوا ذلك فلما قالوا ذلك { قَال } لهم صالح { طَائِرُكُمْ عِندَ الله } أي ليس ذلك بسبب الطير الذي تتشاءمون به ، بل سبب ذلك عند الله ، وهو ما يقدّره عليكم ، والمعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله بسبب كفركم ، وهذا كقوله تعالى : { يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله } [ الأعراف : 131 ] . ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان ، فقال : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } أي تمتحنون ، وتختبرون وقيل تعذبون بذنوبكم ، وقيل يفتنكم غيركم ، وقيل يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة ، أو بما لأجله تطيرون ، فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه .

/خ53