فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَـٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ} (47)

فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح والكلام اللين أنهم قالوا :{ اطيرنا بك } أصله تطيرنا ، وقد قرئ بذلك ، والتطير التشاؤم ، أي : تشاءمنا بك ، وأصابنا الشؤم والضيق والشدة بك { وبمن معك } ممن أجابك ، ودخل في دين ، وذلك لأنه أصابهم قحط فتشاءموا بصالح ، وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة ، وأشقاهم بها ، وكانوا إذا أرادوا سفرا أو أمرا من الأمور نفروا طائرا من وكره ، فإن طار يمنة ساروا وفعلوا ما عزموا عليه ، وإن طار يسرة تركوا ذلك .

وفي القرطبي : لا شيء أضر بالرأي ، ولا أفسد للتدبير ، من اعتقاد الطيرة ، ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء ، أو يدفع مقدورا فقد جهل ؛ فلما قالوا ذلك { قال } لهم صالح :

{ وطائركم عند الله } أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله ، وهو مكتوب عليكم ، سمي طائرا لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم ، والمعنى ليس ذلك بسبب الطيرة التي يتشاءمون بها ، بل سبب ذلك عند الله ، وهو ما يقدره عليكم . وقيل : المعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله لسبب كفركم ، وهذا قوله تعالى : { يطيروا بموسى ومن معه ، ألا إنما طائرهم عند الله } وقيل : طائركم عملكم ، وسمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء ، ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح لبيان فقال :

{ بل أنتم قوم تفتنون } أي تمتحنون وتختبرون وقيل : تعذبون بذنوبكم ، وقيل : يفتنكم غيركم ، وقيل : يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة أو بما لأجله تطيرون ، فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه وجاء بالخطاب مراعاة لتقدم الضمير ، ولو روعي ما بعد ، لقيل : يفتنون ، بياء الغيبة ، وهو جائز ، ولكنه مرجوح ، تقول : أنت رجل تفعل ويفعل ، ونحن قوم نقر ويقرون .