السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَـٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ} (47)

ثم إنّ صالحاً عليه السلام لما قرّر لهم هذا الكلام الحق أجابوه بكلام فاسد بأن { قالوا } فظاظة وغلظة { اطّيرنا } أي : تشاءمنا { بك وبمن معك } أي : وبمن آمن بك ، وذلك أن الله تعالى قد أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا ، فقالوا حل بنا هذا الضرر والشدّة من شؤمك وشؤم أصحابك ، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافراً فيمرّ بطائر فيزجره فإن مرّ سانحاً تيمن وإن مرّ بارحاً تشائم ، قال الجوهريّ : السنيح والسانح ما ولاك ميامنه من ظبي أو طائر وغيرهما وبرح الظبي بروحاً إذا ولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك والعرب تتطير بالبارح وتتفائل بالسانح ، فلما نسبوا الخير والشرّ إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله تعالى وقسمته . تنبيه : أصل اطيرنا تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة وصل .

ثم أجابهم صالح عليه السلام بأن { قال } لهم { طائركم } أي : ما يصيبكم من خير وشرّ { عند الله } أي : الملك الأعظم المحيط بكل شيء علماً وقدرة وهو قضاؤه وقدره وليس شيء منه بيد غيره ، وسمي طائراً لسرعة نزوله بالإنسان ، فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم ، وقال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله تعالى بكفركم ، وقيل : طائركم عملكم عند الله سمي طائراً لسرعة صعوده إلى السماء ، ومنه قوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } ( الإسراء : 13 ) { بل أنتم قوم تفتنون } قال ابن عباس : تختبرون بالخير والشرّ كقوله تعالى : { ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة } ( الأنبياء : 35 ) وقال محمد بن كعب : تعذبون ، وقيل : يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم بالتطير .