البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأحزاب

هذه السورة مدنية .

1

وتقدم أن نداءه ، صلى الله عليه وسلم : { يأ أيها النبي } ، { يا أيها الرسول } هو على سبيل التشريف والتكرمة والتنويه بمحله وفضيلته ، وجاء نداء غيره باسمه ، كقوله : { يا آدم } { يا نوح } { يا إبراهيم } { يا موسى } { يا داود } { يا عيسى } وحيث ذكره على سبيل الأخبار عنه بأنه رسوله ، صرح باسمه فقال : { محمد رسول الله } { وما محمد إلا رسول } أعلم أنه رسوله ، ولقنهم أن يسموه بذلك .

وحيث لم يقصد الإعلام بذلك ، جاء اسمه كما جاء في النداء : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } { وقال الرسول يا رب } وغير ذلك من الآي .

وأمره بالتقوى للمتلبس بها ، أمر بالديموية عليها والازدياد منها .

والظاهر أنه أمر للنبي ، وإذا كان هو مأموراً بذلك ، فغيره أولى بالأمر .

وقيل : هو خطاب له لفظاً ، وهو لأمّته .

وروي أنه لما قدم المدينة ، وكان يحب إسلام اليهود ، فبايعه ناس منهم على النفاق ، وكان يلين لهم جانبه ، وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة ، ولحلفه وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم ، فنزلت تحذيراً له منهم وتنبيهاً على عداوتهم .

وروي أيضاً أن أبا سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينهم وبينه ، وقام عبد الله بن أبي ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس فقالوا له : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع ، وندعك وربك ؛ فشق ذلك عليه وعلى المؤمنين ، وهموا بقتلهم ، فنزلت .

وناسب أن نهاه عن طاعة الكفار ، وهم المتظاهرون به ، وعن طاعة المنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر .

فالسببان حاويان الطائفتين ، أي : ولا تطع الكافرين من أهل مكة ، والمنافقين من أهل المدينة ، فيما طلبوا إليك .

وروي أن أهل مكة دعوه إلى أن يرجع إلى دينهم ، ويعطوه شطر أموالهم ، ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته ؛ وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع ، فنزلت .

1