البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ} (45)

{ وتراهم يعرضون عليها } : أي على النار ، دل عليها ذكر العذاب ، { خاشعين } متضائلين صاغرين مما يحلقهم ، { من الذل } وقرأ طلحة : من الذل ، بكسر الذال ؛ والجمهور بالضم ، والخشوع : الاستكانة ، وهو محمود .

وإنما أخرجه إلى الذم اقترافه بالعذاب وقيل : { من الذل } متعلق { ينظرون من طرف خفي } .

قال ابن عباس : ذليل . انتهى .

قيل : ووصف بالخفاء لأن نظرهم ضعيف ولحظهم نهاية ، قال الشاعر :

فغض الطرف إنك من نمير . . .

وقيل : يحشرون عمياً .

ولما كان نظرهم بعيون قلوبهم ، جعله طرفاً خفياً ، أي لا يبدو نظرهم ، وهذا التأويل فيه تكلف .

وقال السدي ، وقتادة : المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه من الهمّ وسوء الحال ، لا يستطيعون النظر بجميع العين ، وإنما ينظرون من بعضها ، فيجوز على هذا التأويل أن يكون الطرف مصدراً ، أي من نظر خفي .

وقال الزمخشري : { من طرف خفي } ، أي يبتدىء نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة ، كما ترى المصور ينظر إلى السيف ، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره ، ولا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينه منها ، كما يفعل في نظره إلى المتحاب .

الظاهر أن { وقال } ماض لفظاً ومعنى ، أي { وقال الذين آمنوا } في الحياة الدنيا ، ويكون يوم القيامة معمولاً لخسروا ، ويحتمل أن يكون معنى { وقال } : ويقول ، ويوم القيامة معمول لو يقولوا ، أي ويقولوا في ذلك اليوم لما عاينوا ما حل بالكفار وأهليهم .

الظاهر أنهم الذين كانوا أهليهم في الدنيا ، فإن كانوا معهم في النار فقد خسروهم ، أي لا ينتفعون بهم ؛ وإن كانوا في الجنة لكونهم كانوا في الجنة لكونهم كانوا مؤمنين ، كآسية امرأة فرعون ، فهم لا ينتفعون بهم أيضاً .

وقيل : أهلوهم ما كان أعد لهم من الحور لو كانوا آمنوا ، والظاهر أن قوله : { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } من كلام المؤمنين ؛ وقيل : استئناف إخبار من الله تعالى .