البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

{ وكذلك أوحينا } : أي مثل ذلك الإيحاء الفصل أوحينا إليك ، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث : النفث في الروع ، والمنام ، وتكليم الله له حقيقة ليلة الإسراء ، وإرسال رسول إليه ، وهو جبريل .

وقيل : كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ، { أوحينا إليك روحاً من أمرنا } .

قال ابن عباس : النبوة .

وقال السدي : الوحي ؛ وقال قتادة : رحمة ؛ وقال الكلبي : كتاباً ؛ وقال الربيع : جبريل ؛ وقيل : القرآن ؛ وسمى ما أوحى إليه روحاً ، لأن به الحياة من الجهل .

وقال مالك بن دينار : يا أهل القرآن ، ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟ فإن القرآن ربيع القلوب ، كما أن العشب ربيع الأرض .

{ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } : توقيف على عظم المنة ، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بها ، وعطف ولا الإيمان على ما الكتاب ، وإنما معناه : الإيمان الذي يدركه السمع ، لأن لنا أشياء من الإيمان لا تعلم إلا بالوحي .

أما توحيد الله وبراءته عن النقائص ، ومعرفة صفاته العلا ، فجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عالمون ذلك ، معصومون أن يقع منهم زلل في شيء من ذلك ، سابق لهم علم ذلك قبل أن يوحي إليهم .

وقد أطلق الإيمان على الصلاة في قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } إذ هي بعض ما يتناوله الإيمان .

ومن طالع سير الأنبياء من نشأتهم إلى مبعثهم ، تحقق عنده أنهم معصومون من كل نقيصة ، موحدون لله منذ نشأوا .

قال الله تعالى في حق يحي عليه السلام : { وآتيناه الحكم صبياً } قال معمر : كان ابن سنتين أو ثلاث .

وعن أبي العالية : ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان .

وقال القاضي : { ولا الإيمان } : الفرائض والأحكام .

قال : وكان قبل مؤمناً بتوحيد الله ، ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل ، فزاد بالتكليف إيماناً .

وقال القشيري : يجوز إطلاق الإيمان على تفاصيل الشرع .

وقال الحسين بن الفضل : هو على حذف مضاف ، أي ولا أ هل الإيمان من الذي يؤمن أبو طالب أو العباس أو غيرهما .

وقال علي بن عيسى : إذ كنت في المهد .

وقيل : ما الكتاب لولا إنعامنا عليك ، ولا الإيمان لولا هدايتنا لك .

وقيل : أي كنت من قوم أميين لا يعرفون الإيمان ولا الكتاب ، فتكون أخذت ما جئتهم به عمن كان يعلم ذلك منهم .

ما الكتاب : جملة استفهامية مبتدأ وخبر ، وهي في موضع نصب بتدري ، وهي معلقة .

{ ولكن جعلناه نوراً } : يحتمل أن يعود إلى قوله : { روحاً } ، وإلى { كتاب } ، وإلى { الإيمان } ، وهو أقرب مذكور .

وقال ابن عطية : عائد على الكتاب . انتهى .

وقيل : يعود إلى الكتاب والإيمان معاً لأن مقصدهما واحد ، فهو نظير : { والله ورسله أحق أن يرضوه } وقرأ الجمهور : { لتهدي } ، مضارع هدى مبنياً للفاعل ؛ وحوشب : مبنياً للمفعول ، إجابة سؤاله عليه الصلاة والسلام : { إهدنا الصراط المستقيم } وقرأ ابن السميفع : لتهدي بضم التاء وكسر الدال ؛ وعن الجحدري مثلها ومثل قراءة حوشب .

{ صراط مستقيم } ، قال علي : هو القرآن ؛ وقيل : الإسلام .