البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

ولما أخبر بهلاك قوم عاد ، خاطب قريشاً على سبيل الموعظة فقال : { ولقد مكانهم } ، وإن نافية ، أي في الذي ما مكناهم فيه من القوة والغنى والبسط في الأجسام والأموال ؛ ولم يكن النفي بلفظ ما ، كراهة لتكرير اللفظ ، وإن اختلف المعنى .

وقيل : إن شرطية محذوفة الجواب ، والتقدير : إن مكناكما فيه طغيتم .

وقيل : إن زائدة بعدما الموصولة تشبيهاً بما النافية وما التوقيتية ، فهي في الآية كهي في قوله : . . .

يرجى المرء ما إن لا يراه *** وتعرض دون أدناه الخطوب

أي مكناهم في مثل الذي مكناكم ، فيه ، وكونها نافية هو الوجه ، لأن القرآن يدل عليه في مواضع كقوله : { كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً } وقوله : { هم أحسن أثاثاً ورئياً } وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث في الاعتبار .

ثم عدد نعمه عليهم ، وأنها لم تغن عنهم شيئاً ، حيث لم يستعملوا السمع والأبصار والأفئدة فيما يجب أن يستعمل .

وقيل : ما استفهام بمعنى التقرير ، وهو بعيد كقوله : { من شيء } ، إذ يصير التقدير : أي شيء مما ذكر أغنى عنهم من شيء ، فتكون من زيدت في الموجب ، وهو لا يجوز على الصحيح ، والعامل في إذ أغنى .

ويظهر فيها معنى التعليل لو قلت : أكرمت زيداً لإحسانه إليّ ، أو إذ أحسن إليّ .

استويا في الوقت ، وفهم من إذ ما فهم من لام التعليل ، وإن إكرامك إياه في وقت إحسانه إليك ، إنما كان لوجود إحسانه لك فيه .