{ وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن } : ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه لما بين أن الإنسي مؤمن وكافر ، وذكر أن الجن فيهم مؤمن وكافر ؛ وكان ذلك بأثر قصة هود وقومه ، لما كان عليه قومه من الشدة والقوة .
والجن توصف أيضاً بذلك ، كما قال تعالى : { قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين }
وإن ما أهلك به قوم هود هو الريح ، وهو من العالم الذي لا يشاهد ، وإنما يحس بهبوبه .
والجن أيضاً من العالم الذي لا يشاهد .
وإن هوداً عليه السلام كان من العرب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب ، فهذه تجوز أن تكون مناسبة لهذه الآية بما قبلها .
وفيها أيضاً توبيخ لقريش وكفار العرب ، حيث أنزل عليهم هذا الكتاب المعجز ، فكفروا به ، وهم من أهل اللسان الذي أنزل به القرآن ، ومن جنس الرسول الذي أرسل إليهم .
وهؤلاء جن ، فليسوا من جنسه ، وقد أثر فيهم سماع القرآن وآمنوا به وبمن أنزل عليه ، وعلموا أنه من عند الله ، بخلاف قريش وأمثالها ، فهم مصرون على الكفر به .
وقرأ : صرفنا ، بتشديد الراء ، لأنهم كانوا جماعة ، فالتكثير بحسب الحال .
{ نفراً من الجن } ، والنفر دون العشرة ، ويجمع على أنفار .
قال ابن عباس : كانوا سبعة ، منهم زوبعة .
والذي يجمع اختلاف الروايات ، أن قصة الجن كانت مرتين .
إحداهما : حين انصرف من الطائف ، وكان خرج إليهم يستنصرهم في قصة ذكرها أصحاب السير .
فروى أن الجن كانت تسترق السمع ؛ فلما بعث الرسول ، حرست السماء ، ورمي الجن بالشهب ، قالوا : ما هذا إلا أمر حدث .
وطافوا الأرض ، فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي نخلة ، وهو قائم يصلي ؛ فاستمعوا لقراءته ، وهو لا يشعر ؛ فأنبأه الله باستماعهم .
{ والمرة الأخرى } : " أن الله أمره أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فقال : «إني أمرت أن أقرأ على الجن فمن يتبعني » ، قالها ثلاثاً ، فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود ، قال : لم يحضره أحد ليلة الجن غيري .
فانطلقنا حتى إذا كنا في شعب الحجون ، خط لي خطاً وقال : «لا تخرج منه حتى أعود إليك » ، ثم افتتح القرآن .
وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم تقطعوا تقطع السحاب ، فقال لي : «هل رأيت شيئاً » ؟ قلت : نعم ، رجالاً سوداً مستثفري ثياب بيض ، فقال : «أولئك جن نصيبين » .
وكانوا اثني عشر ألفاً ، والسورة التي قرأها عليهم : اقرأ باسم ربك " وفي آخر هذا الحديث قلت : " يا رسول الله ، سمعت لهم لغطاً ، فقال : «إنهم تدارؤا في قتيل لهم فحكمت بالحق " وقد روي عن ابن مسعود أنه لم يحضر أحد ليلة الجن ، والله أعلم بصحة ذلك .
{ فلما حضروه } : أي القرآن ، أي كانوا بمسمع منه ، وقيل : حضروا الرسول ، وهو التفات من إليك إلى ضمير الغيب .
{ قالوا انصتوا } : أي اسكتوا للاستماع ، وفيه تأديب مع العلم وكيف يتعلم .
وقرأ الجمهور : { فلما قضى } : مبنياً للمفعول ؛ وأبو مجلز ، وحبيب بن عبد الله بن الزبير : قضى ، مبنياً للفاعل ، أي قضى محمد ما قرأ ، أي أتمه وفرغ منه .
وقال ابن عمر ، وجابر بن عبد الله : قرأ عليهم سورة الرحمن ، فكان إذا قال : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ، قالوا : لا شيء من آيات ربنا نكذب ربنا لك الحمد .
{ ولوا إلى قومهم منذرين } : تفرقوا على البلاد ينذرون الجن .
قال قتادة : ما أسرع ما عقل القوم . انتهى .
وعند ذلك وقعت قصة سواد بن قارب ، وخنافر وأمثالهما ، حين جاءهما رياهما من الجن ، وكان سبب إسلامهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.