الغراب : طائر معروف ويجمع في القلة على أغربة ، وفي الكثرة على غربان .
وغراب اسم جنس وأسماء الأجناس إذا وقعت على مسمياتها من غير أن تكون منقولة من شيء ، فإن وجد فيها ما يمكن اشتقاقه حمل على أنه مشتق ، إلا أنَّ ذلك قليل جدّاً ، بل الأكثر أن تكون غير مشتقة نحو : تراب ، وحجر ، وماء .
ويمكن غراب أن يكون مأخوذاً من الاغتراب ، فإن العرب تتشاءم به وتزعم أنه دال على الفراق .
غراب لاغتراب من النوى *** وبالباذين من حبيب تعاشره
البحث في الأرض نبش التراب وإثارته ، ومنه سميت براءة بحوث .
وفي المثل : لا تكن كالباحث عن الشفرة .
العجز : عدم الإطاقة ، وماضيه على فعل بفتح العين ، وهي اللغة الفاشية .
وحكى الكسائي فيه : فعل بكسر العين .
الندم : التحسر يقال منه : ندم يندم .
الصلب معروف وهو إصابة صلبة بجذع ، أو حائط كما تقول : عانه أي أصاب عينه ، وكيده أصاب كيده .
{ فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه } روي أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض ، ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به ، فخاف السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح ، وعكفت عليه السباع ، فبعث الله غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة فقال : يا ويلتي أعجزت .
وقيل : طلب في ثاني يوم إخفاء قتل أخيه فلم يدر ما يصنع .
وقيل : بعث الله غراباً إلى غراب ميت ، فجعل يبحث قي الأرض ويلقي التراب على الغراب الميت .
وقيل : بعث الله غراباً واحداً فجعل يبحث ويلقي التراب على هابيل .
وروي أنه أول ميت مات على وجه الأرض ، وكذلك جهل سنة المواراة .
والظاهر أنه غراب بعثه الله يبحث في الأرض ليرى قابيل كيف يواري سوءة هابيل ، فاستفاد قابيل ببحثه في الأرض أن يبحث هو في الأرض فيستر فيه أخاه ، والمراد بالسوءة هنا قيل : العورة ، وخصت بالذكر مع أنّ المراد مواراة جميع الجسد للاهتمام بها ، ولأن سترها أوكد .
قيل : فإن الميت كله عورة ، ولذلك كفن بالأكفان .
قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد بالسوءة هذه الحالة التي تسوء الناظر بمجموعها ، وأضيفت إلى المقتول من حيث نزلت به النازلة ، لا على جهة الغض منه ، بل الغض لاحق للقاتل وهو الذي أتى بالسوءة انتهى .
والسوءة الفضيحة لقبحها قال الشاعر :
يا لقومي للسوءة السوآء *** أي للفضيحة العظيمة .
قالوا : ويحتمل إن صح أنه قتل غراب غراباً أو كان ميتاً ، أن يكون الضمير في أخيه عائداً على الغراب ، أي : ليرى قابيل كيف يواري الغراب سوءة أخيه وهو الغراب الميت ، فيتعلم منه بالأداة كيف يواري قابيل سوءة هابيل ، وهذا فيه بعد .
لأن الغراب لا تظهر له سوءة ، والظاهر أنّ الإرادة هنا من جعله يرى أي : يبصر ، وعلق ليريه عن المفعول الثاني بالجملة التي فيها الاستفهام في موضع المفعول الثاني ، وكيف معمولة ليواري .
ويجوز أن يتعلق بقوله : فبعث ، وضمير الفاعل في ليريه الظاهر أنه عائد على الله تعالى ، لأن الإراءة حقيقة هي من الله ، إذ ليس للغراب قصد الإراءة وإرادتها .
ويجوز أن يعود على الغراب أي : ليريه الغراب ، أي : ليعلمه لأنه لما كان سبب تعليمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز ، ويظهر أن الحكمة في أن كان هذا المبعوث غراباً دون غيره من الحيوان ومن الطيور كونه يتشاءم به في الفراق والاغتراب ، وذلك مناسب لهذه القصة .
وقيل : فبعث جملة محذوفة دل عليها المعنى تقديره : فجهل مواراته فبعث .
{ قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي } استقصر إدراكه وعقله في جهله ما يصنع بأخيه حتى يعلم ، وهو ذو العقل المركب فيه الفكر والرؤية والتدبير من طائر لا يعقل .
ومعنى هذا الاستفهام : الإنكار على نفسه ، والنعي أي : لا أعجز عن كوني مثل هذا الغرب ، وفي ذلك هضم لنفسه واستصغار لها بقوله : مثل هذا الغراب .
وأصل النداء أن يكون لمن يعقل ، ثم قد ينادي ما لا يعقل على سبيل المجاز كقولهم : يا عجباً ويا حسرة ، والمراد بذلك التعجب .
كأنه قال : انظروا لهذا العجب ولهذه الحسرة ، فالمعنى : تنبهوا لهذه الهلكة .
وقرأ الجمهور : يا ويلتا بألف بعد التاء ، وهي بدل من ياء المتكلم ، وأصله يا ويلتي بالياء ، وهي قراءة الحسن .
وأمال حمزة والكسائي وأبو عمر وألف ويلتي .
وقرأ الجمهور : أعجزت بفتح الجيم .
وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، وفياض ، وطلحة ، وسليمان : بكسرها وهي لغة شاذة ، وإنما مشهور الكسر في قولهم : عجزت المرأة إذا كبرت عجيزتها .
وقرأ الجمهور : فأواريَ بنصب الياء عطفاً على قوله : أن أكون .
كأنه قال : أعجزتُ أن أواريَ سوءة أخي .
وقال الزمخشري : فأواري بالنصب على جواب الاستفهام انتهى .
وهذا خطأ فاحش ، لأن الفاء الواقعة جواباً للاستفهام تنعقد من الجملة الاستفهامية والجواب شرط وجزاء ، وهنا تقول : أتزورني فأكرمك ، والمعنى : إن تزرني أكرمك .
وقال تعالى : { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا } أي إن يكن لنا شفعاء يشفعوا .
ولو قلت هنا : إن أعجز أن أكون مثل هذا الغراب أوارِ سوءة أخي لم يصح ، لأن المواراة لا تترتب على عجزه عن كونه مثل الغراب .
وقرأ طلحة بن مصرف ، والفياض بن غزوان : فأواريْ بسكون الياء ، فالأولى أن يكون على القطع أي : فأنا أواري سوءة أخي ، فيكون أواري مرفوعاً .
وقال الزمخشري : وقرئ بالسكون على فأنا أواري ، أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف انتهى .
يعني : الزمخشري : وقرئ بالسكون على فأنا أواري ، أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف انتهى .
يعني : أنه حذف الحركة وهي الفتحة تخفيفاً استثقلها على حرف العلة .
وقال ابن عطية : هي لغة لتوالي الحركات انتهى .
ولا ينبغي أن يخرج على النصب ، لأن نصب مثل هذا هو بظهور الفتحة ، ولا تستثقل الفتحة فتحذف تخفيفاً كما أشار إليه الزمخشري ، ولا ذلك لغة كما زعم ابن عطية ، ولا يصلح التعليل بتوالي الحركات ، لأنه لم يتوال فيه الحركات .
وهذا عند النحويين أعني النصب بحذف الفتحة ، لا يجوز إلا في الضرورة ، فلا تحمل القراءة عليها إذا وجد حملها على جه صحيح ، وقد وجد وهو الاستئناف أي : فأنا أواري .
وقرأ الزهري : سوة أخي بحذف الهمزة ، ونقل حركتها إلى الواو .
ولا يجوز قلب الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، لأن الحركة عارضة كهي في سمول وجعل .
وقرأ أبو حفص : سوة بقلب الهمزة واواً ، وأدغم الواو فيه ، كما قالوا في شيء شي ، وفي سيئة سية .
وإن رأوا سية طاروا بها فرحاً *** مني وما علموا من صالح دفنوا
{ فأصبح من النادمين } قيل : هذه جملة محذوفة تقديره : فوارى سوءة أخيه .
والظاهر أن ندمه كان على قتل أخيه لما لحقه من عصيان وإسخاط أبويه ، وتبشيره أنه من أصحاب النار .
وهذا يدل على أنه كان عاصياً لا كافراً .
قيل : ولم ينفعه ندمه ، لأن كون الندم توبة خاص بهذه الأمة .
وقيل : من النادمين خوف الفضيحة .
وقال الزمخشري : من النادمين على قتله لما تعب من حمله ، وتحيره في أمر ، وتبين له من عجزه وتلمذته للغراب ، واسوداد لونه ، وسخط أبيه ، ولم يندم ندم التائبين انتهى .
وقد اختلف العلماء في قابيل ، أكان كافراً أم عاصياً ؟ وفي الحديث : « إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلاً فخذوا من خيرها ودعوا شرها » وحكى المفسرون عجائب مما جرى بقتل هابيل من رجفان الأرض سبعة أيام ، وشرب الأرض دمه ، وإيسال الشجر ، وتغير الأطعمة ، وحموضة الفواكه ، ومرارة الماء ، واغبرار الأرض ، وهرب قابيل بأخته إقليميا إلى عدن من أرض اليمن ، وعبادته النار ، وانهماك أولاده في اتخاذ آلات اللهو وشرب الخمر والزنا والفواحش حتى أغرقهم الله بالطوفان ، والله أعلم بصحة ذلك .
وروي أن آدم مكث بعد قتله مائة سنةلا يضحك ، وأنه رثاه بشعر .
وهو كذب بحت ، وما الشعر إلا منحول ملحون .
وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر .
وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس أنه قال : من قال إنّ آدم قال شعراً فهو كذب ، ورمى ردم بما لا يليق بالنبوّة ، لأن محمداً والأنبياء عليهم السلام ، كلهم في النفي عن الشعر سواء .
قال الله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } ولكنه كان ينوح عليه ، وهو أول شهيد كان على وجه الأرض ويصف حزنه عليه نثراً من الكلام شبه المرثية ، فتناسخته القرون وحفظوا كلامه ، فلما وصل إلى يعرب بن قحطان وهو أول من خط بالعربية فنظمه فقال :
تغيرت البلاد ومن عليها *** فوجه الأرض مغبر قبيح
وذكر بعد هذا البيت ستة أبيات ، وأنّ إبليس أجابه في الوزن والقافية بخمسة أبيات .
وقول الزمخشري في الشعر : إنه ملحون ، يسير فيه إلى البيت وهو الثاني :
تغير كل ذي لون وطعم *** وقل بشاشة الوجه المليح
يرويه بشاشة الوجه المليح على الاقواء ، ويروى بنصب بشاشة من غير تنوين ، ورفع الوجه المليح .
وليس بلحن ، قد خرجوه على حذف التنوين من بشاشة ، ونصبه على التمييز ، وحذف التنوين لالتقاء الألف واللام .
قد جاء في كلامهم قرئ : { أحد الله الصمد } وروي ولا ذاكر الله بحذف التنوين
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.