البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

التغابن : تفاعل من الغبن وليس من اثنين ، بل هو من واحد ، كتواضح وتحامل . والغبن : أخذ الشيء بدون قيمته ، أو بيعه كذلك . وقيل : الغبن : الإخفاء ، ومنه غبن البيع لاستخفائه ، ويقال : غبنت الثوب وخبنته ، إذا أخذت ما طال منه عن مقدارك ، فمعناه النفص .

وانتصب { يوم يجمعكم } بقوله : { لتنبؤن } ، أو بخبير ، بما فيه من معنى الوعيد والجزاء ، أو باذكر مضمرة ، قاله الزمخشري ؛ والأول عن النحاس ، والثاني عن الحوفي .

وقرأ الجمهور : يجمعكم بالياء وضم العين ؛ وروي عنه سكونها وإشمامها الضم ؛ وسلام ويعقوب وزيد بن علي والشعبي : بالنون .

{ ليوم الجمع } : يجمع فيه الأولون والآخرون ، وذلك أن كل واحد يبعث طامعاً في الخلاص ورفع المنزلة .

{ ذلك يوم التغابن } : مستعار من تغابن القوم في التجارة ، وهو أن يغبن بعضهم بعضاً ، لأن السعداء نزلوا منازل الأشقياء لو كانوا سعداء ، ونزل الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء ، وفي الحديث : « ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة » ، وذلك معنى يوم التغابن .

وعن مجاهد وغيره : إذا وقع الجزاء ، غبن المؤمنون الكافرين لأنهم يجوزون الجنة وتحصل الكفار في النار .

وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وطلحة ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم وزيد بن عليّ والحسن بخلاف عنه : نكفر وندخله بالنون فيهما ؛ والأعمش وعيسى والحسن وباقي السبعة : بالياء فيهما .