أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

شرح الكلمات :

{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } : أي لا تتقدّموا بقول ولا فعل إذ هو من قدم بمعنى تقدم . كمن ذبح يوم العيد قبل أن يذبح رسول صلى الله عليه وسلم ، وكإِرادة أحد الشيخين تأمير رجل على قوم قبل استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم .

{ واتقوا الله إن الله سميع عليم } : أي خافوا الله إنه سميع لأقوالكم عليم بأعمالكم .

المعنى :

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلت لنا واضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه وهو يريد أن لا يتم صلح بين المؤمنين والمشركين ، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إحرامهم ونحر هداياهم والرسول يأمر وهُم لا يستجيبون حتى تقدمهم صلى الله عليه وسلم فنحر هديه ثم نحروا بعده وتحللوا ، إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي بين يدي الله ورسوله وفي ذلك مضرة لا يعلم مداها إلاّ الله ولما انتهت تلك الحال وذلك الظرف الصعب أنزل الله تعالى قوله { يا أيها الذين آمنوا } أي بالله رباً وإلهاً وبالإِسلام شرعة ودينا وبمحمد نبيّا ورسولا ناداهم بعنوان الإِيمان ليقول لهم ناهيا { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } أي قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فكرا أي لا تقولوا ولا تعلموا إلا تبعا لما قال الله ورسوله ، وشرع الله ورسوله { واتقوا الله } في ذلك فإِن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زلّة كبرى وعاقبتها سوأى . ولذا قال { واتقوا الله إن الله سميع } أي لأقوالكم { عليم } بأعمالكم وأحوالكم . ومن هنا فواجب المسلم أن لا يقول ولا يعمل ولا يقضي ولا يُفتَي برأيه إلا إذا علم قول الله ورسوله وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما ، فإّذا لم يجد من ذلك شيئا اجتهد فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله تعالى فإِذا لاح له بعد ذلك نص من كتاب أو سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة .

الهداية :

من الهداية :

- لا يجوز للمسلم أن يقدم رأيه أو اجتهاده على الكتاب والسنة فلا رأي ولا اجتهاداً إلاّ عند عدم وجود نص من كتاب أو سنة وعليه إذا اجتهد أن يكون ما اجتهد فيه أقرب إلى مراد الله ورسوله ، أي الصق بالشرع ، وإن ظهر له بعد الاجتهاد نص من كتاب أو سنة عاد إلى الكتاب والسنة وترك رأيه أو اجتهاده فوراً وبلا تردد .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية وعدد آياتها ثماني عشرة ، وهي - على قلة آياتها- جاءت زاخرة بمختلف المعاني في السلوك والآداب والأحكام والمواعظ ، وقد جاءت السورة مبدوءة بوجوب التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومخاطبته في غاية التوقير والتعظيم .

وقد تضمنت السورة تنديدا بأولي الطبائع الغليظة من قساة الأعراب وأجلافهم الذين لم يوقروا النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ كانوا ينادونه من وراء بيوته بأصوات مستهجنة لا أدب فيها ولا تواضع .

وفي السورة يأمر الله عباده المؤمنين أن يتثبتوا لدى سماعهم أخبارا يحملها فاسقون ، فلا يبادروا التصديق واليقين لما سمعوه لاحتمال الكذب أو الخطأ ، ومن شأن ذلك أن يورث الزلل والندامة .

ويأمر الله عباده المؤمنين أن يصلحوا بين إخوانهم المقتتلين بالعدل ، والمؤمنون في ميزان الإسلام أخوة على الدوام .

وفي السورة نهي عن جملة رذائل قد ندد بها الإسلام تنديدا ، وهي السخرية من الناس ، والتنابز بالألقاب ، وكذلك الكثير من الظن ثم التجسس والغيبة ، وهذه رذائل وصفات ذميمة تذهب بالحسنات وتورث السيئات والمباغضات وفساد ذات البين .

وفي السورة إعلان من الله ظاهر يرسخ فيه المساواة بين الناس وأنه ليس من تفاضل بينهم لسبب من الأسباب التي يعتبرها البشر ، وإنما التفاضل في ميزان الله ، بالتقوى دون غيره . إلى غير ذلك من الأحكام والمعاني .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم 1 يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون 2 إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } .

هذه جملة آداب ، خليق بالمؤمنين أن يتأدبوا بها لدى تعاملهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعل أو خطاب ، فيكون ذلك في غاية التكريم له والتوقير والتعظيم وهو قوله سبحانه : { ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } أي لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أو أمر من الأمور حتى يحكم الله على لسانه صلى الله عليه وسلم أو لا تبادروا القول أو الفعل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كونوا تبعا له في كل ذلك .

قوله : { واتقوا الله إن الله سميع عليم } أي اخشوا ربكم وافعلوا ما أمركم به واجتنبوا ما نهاكم عنه ، فإنه يسمع ما تقولون وتعلنون ويعلم ما تخفون وتكتمون .