أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ} (6)

شرح الكلمات :

{ من الجنة والناس } : أي من شيطان الجن ، ومن شيطان الإِنس .

المعنى :

/د1

قوله تعالى { من الجنة والناس } يعني أن الموسوس للإِنسان كما يكون من الجن يكون من الناس ، والإِنسان يوسوس ، بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح . وإلقاء الشبه في النفس ، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة ، والعبارات المضللة ، حتى إن ضرر الإِنسان على الإِنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإِنسان ، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة ، وشيطان الإِنس لا يطرد ، وإنما يصانع ويُدَارَى للتخلص منه .

اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ، ومن شر الإِنس والجن ، فأعذنا ربّنا ، فإِنه لا يعيذنا إلا أنت ، ربنا ولك الحمد والشكر .

/ذ1

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ} (6)

قوله تعالى : { من الجنة والناس }

أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس .

قال الحسن : هما شيطانان : أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية .

وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن . وروي عن أبي ذر أنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شياطين الإنس ؟ فقال : أو من الإنس شياطين ؟ قال : نعم ؛ لقوله تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين{[16620]} الإنس والجن }[ الأنعام : 112 ] . . الآية .

وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد به الجن . سموا ناسا كما سموا رجلا في قوله : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن }{[16621]} [ الجن : 6 ] ، وقوما ونفرا{[16622]} . فعلى هذا يكون " والناس " عطفا على " الجنة " ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين . وذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث : جاء قوم من الجن فوقفوا . فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن ، وهو معنى قول الفراء .

وقيل : الوسواس هو الشيطان . وقوله : " من الجنة " بيان أنه من الجن " والناس " معطوف على الوسواس . والمعنى : قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس ، الذي هو من الجنة ، ومن شر الناس . فعلى هذا أمر بأن يستعيذ من شر الإنس والجن . والجِنة : جمع جني ، كما يقال : إنس وإنسي . والهاء لتأنيث الجماعة . وقيل : إن إبليس يوسوس في صدور الجن ، كما يوسوس في صدور الناس . فعلى هذا يكون { في صدور الناس } عاما في الجميع . و{ من الجنة والناس } بيان لما يوسوس في صدره . وقيل : معنى { من شر الوسواس } أي الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ، وهو حديث النفس . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " . رواه أبو هريرة ، أخرجه مسلم . فالله تعالى أعلم بالمراد من ذلك .


[16620]:آية 112 من سورة الأنعام.
[16621]:آية 6 سورة الجن.
[16622]:وذلك في قوله تعالى : "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ..." آية 29 سورة الأحقاف.