قوله : { مِنَ الجنة } . فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من «شرّ » بإعادة العامل ، أي : من شر الجنة .
الثاني : أنه بدل من ذي الوسواس ؛ لأن الموسوس من الجن والإنس .
الثالث : أنه حال من الضمير في «يُوسْوِسُ » حال كونه من هذين الجنسين .
الرابع : أنه بدل من «النَّاس » ، وجعل «مِنْ » تبييناً ، وأطلق على الجن اسم النَّاس ؛ لأنهم يتحركون في مراداتهم . قاله أبو البقاء{[61183]} : إلا أنَّ الزمخشري أبطله ، فقال بعد أن حكاه{[61184]} : «واستدلوا بنفر ورجال في سورة «الجنِّ » ، وما أحقه ؛ لأن الجنَّ سموا جنًّا لاجتنانهم ، والناس ناساً لظهورهم من الإيناس ، وهو الإبصار ، كما سموا بشراً ، ولو كان يقع الناس على القبيلين ، وصح ذلك ، وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن ، وبعده عن التصنُّع ، وأجود منه أن يراد بالنَّاس : الناسي ، كقوله : { يَوْمَ يَدْعُ الداع } [ القمر : 6 ] ، ثم يبين بالجنة والناس ؛ لأن الثقلين هما النوعان الموصفان بنسيان حق الله عز وجل » .
الخامس : أنه بيان ل { الذي يُوَسْوِسُ } على أنَّ الشيطان ضربان : جني ، وإنسي ، كما قال : { شَيَاطِينَ الإنس والجن } [ الأنعام : 112 ] ، وعن أبي ذر ، أنه قال لرجل : هلاَّ استعذت من شياطين الإنس .
السادس : أن يتعلق ب «وسوس » ، و«مِنْ » لابتداء الغاية ، أي : يوسوس في صدورهم من جهة الإنس ، ومن جهة الجن .
السابع : أن «الناس » عطف على «الوسواس » ، أي : من شر الوسواس والناس ، ولا يجوز عطفه على «الجنَّة » ؛ لأن النَّاس لا يوسوسون في صدور النَّاس ، إنما يوسوس الجن ، فلما استحال المعنى حمل على العطف على الوسواس ، قاله مكي .
الثامن : أن «مِنْ الجنَّةِ » ؛ حال من «النَّاس » أي : كائنين من القبيلين ، قاله أبو البقاء{[61185]} ، ولم يبين أي الناس المتقدم أنه صاحب الحال ، وعلى كل تقدير فلا يصح معنى الحالية في شيء منها ، لا الأول ، ولا ما بعده ، ثم قال : «وقيل : هو معطوف على الجنة » ، يريد : «والنَّاس » الأخير معطوف على الجنة ، وهذا الكلام يستدعي تقدير شيء قبله ، وهو أن يكون الناس عطفاً على غير الجنة ؛ وفي الجملة فهو كلام يتسامح فيه .
قال الحسن : هما شيطانان لنا : أما شيطان الجن ، فيوسوسُ في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية{[61186]} .
وقال قتادةُ : إن من الجن شياطين ، وإنَّ من الإنس شياطين ، فتعوذ بالله من شياطين الجن والإنس{[61187]} .
وعن أبي ذر : أنه قال لرجل : هل تعوَّذتَ بالله من شياطين الإنس ؟ .
قال : أو من الإنس شياطين ؟ قال : نعم ، لقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنس والجن }{[61188]} [ الأنعام : 112 ] .
وذهب قوم : أنَّ المراد بالناس هنا الجن ، سموا بذلك ناساً كما سموا رجالاً في قوله تعالى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن } [ الجن : 6 ] ، وكما سموا نفراً في قوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن } [ الأحقاف : 29 ] .
فعلى هذا يكون «والنَّاس » عطفاً على «الجنَّةِ » ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين .
وقيل : معنى : { مِن شَرِّ الوسواس } ، أي : الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ، وهو حديث النفس .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ - عزَّ وجلَّ - تجَاوَزَ لأمَّتِي مَا حدَّثتْ بِهِ أنفُسهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ أو تَتَكلَّمْ بِهِ » والله أعلم .
روى [ الثعلبي عن أبيّ ]{[1]} - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها » .
وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ألا أخْبرُكَ بأفضل ما تعوَّذ بهِ المتعوِّذُونَ » ؟ قلت : بلى يا رسُول اللهِ ، قال : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس }{[2]} والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.