لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ} (6)

{ من الجنة } يعني الجن { والناس } ، وفي معنى الآية وجهان :

أحدهما : أن الناس لفظ مشترك بين الجن والإنس ، ويدل عليه قول بعض العرب : جاء قوم من الجن ، فقيل : من أنتم ؟ قالوا : أناس من الجن ، وقد سماهم الله تعالى رجالاً في قوله :{ يعوذون برجال من الجن }[ الجن : 6 ] ، فعلى هذا يكون معنى الآية أن الوسواس الخناس يوسوس للجن كما يوسوس للإنس .

الوجه الثاني : أن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة ، وهم الجن ، وقد يكون من الإنس ، فكما أن شيطان الجن قد يوسوس للإنسان تارة ، ويخنس أخرى ، فكذلك شيطان الإنس قد يوسوس للإنسان كالنّاصح له ، فإن قبل زاد في الوسوسة ، وإن كره السامع ذلك انخنس وانقبض ، فكأنه تعالى أمر أن يستعاذ به من شر الجن والإنس جميعاً .

( ق ) عن عائشة رضي الله تعالى عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم ينفث فيهما ، فيقرأ { قل هو الله أحد } ، و{ قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات " .

عن عائشة رضي الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات ، وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح عنه بيديه رجاء بركتهما " ، أخرجه مالك في الموطأ ولهما بمعناه .

( ق ) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل ، وأطراف النهار ، ورجل آتاه الله مالاً ، فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار " .

عن ابن عباس قال : " قيل : يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟ قال : الحال المرتحل . قيل : وما الحال المرتحل ؟ قال : الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره ، كلما حل ارتحل " ، أخرجه التّرمذي .

والله سبحانه ، وتعالى أعلم بمراده ، وأسرار كتابه .