أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

شرح الكلمات :

{ اتقوا ربكم } : أي اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بالإِيمان والتقوى .

{ للذين أحسنوا } : أي أحسنوا العبادة .

{ حسنة } : أي الجنة .

{ أرض الله واسعة } : أي فهاجروا فيها لتتمكنوا من عبادة الله إن منعتهم منها في دياركم .

المعنى :

لقد تضمنت هذه الآيات الخمس توجيهات وإرشادات ربَّانيَّة للمؤمنين والرسول صلى الله عليه وسلم

ففي الآية الأولى ( 10 ) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين اتقوا ربكم أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية وذلك بطاعته وطاعة رسوله ، ويُعلمهم معللا أمره إياهم بالتقوى بأن للذين أحسنوا الطاعة المطلوبة منهم الجنة ، كما يعلمهم أنهم إذا لم يقدروا على الطاعة بين المشركين فليهاجروا إلى أرض يتمكنون فيها من طاعة الله ورسوله فيقول { وأرض الله واسعة } أي فهاجروا فيها ويشجعهم على الهجرة لآجل الطاعة فيقول { إنما يوفّى الصابرون } أي على الاغتراب والهجرة لأجل طاعة الله والرسول { أجرهم بغير حساب } أي بلا كيل ولا وزن ولا عد وذلك لأنه فوق ذلك .

الهداية :

من الهداية :

1- بيان عناية الله تعالى برسوله والمؤمنين إذ أرشدهم إلى ما يكملهم ويسعدهم .

2- وجوب التقوى والصبر على الأذى في ذلك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

{ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } :

أي : قل مناديا لأشرف الخلق ، وهم المؤمنون ، آمرا لهم بأفضل الأوامر ، وهي التقوى ، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى ، وهو ربوبية اللّه لهم وإنعامه عليهم ، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه ، ومن ذلك ما مَنَّ اللّه عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى ، كما تقول : أيها الكريم تصدق ، وأيها الشجاع قاتل .

وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا } بعبادة ربهم { حَسَنَة } ورزق واسع ، ونفس مطمئنة ، وقلب منشرح ، كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }

{ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } إذا منعتم من عبادته في أرض ، فهاجروا إلى غيرها ، تعبدون فيها ربكم ، وتتمكنون من إقامة دينكم .

ولما قال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع ، وهو أن النص عام ، أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة ، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن ، لا يحصل له ذلك ، دفع هذا الظن بقوله : { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } وهنا بشارة نص عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بقوله ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك ) تشير إليه هذه الآية ، وترمي إليه من قريب ، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة ، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها ، وهذا عام في كل زمان ومكان ، فلا بد أن يكون لكل مهاجر ، ملجأ من المسلمين يلجأ إليه ، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه .

{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وهذا عام في جميع أنواع الصبر ، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها ، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها ، والصبر على طاعته حتى يؤديها ، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب ، أي : بغير حد ولا عد ولا مقدار ، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه ، وأنه معين على كل الأمور .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

قوله تعالى : " قل ياعباد الذين آمنوا " أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين " اتقوا ربكم " أي اتقوا معاصيه والتاء مبدلة من واو وقد تقدم . وقال ابن عباس : يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة . ثم قال : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة . وقيل : المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا ، يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة ، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة . قال القشيري : والأول أصح ؛ لأن الكافر قد نال نعم الدنيا .

قلت : وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم . وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن ، وفي الآخرة الجزاء .

قوله تعالى : " وأرض الله واسعة " فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي . وقد مضى القول في هذا مستوفى في " النساء " وقيل : المراد أرض الجنة ، رغبهم في سعتها وسعة نعيمها ، كما قال : " عرضها السماوات والأرض " [ آل عمران : 133 ] والجنة قد تسمى أرضا ، قال الله تعالى : " وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء " [ الزمر : 74 ] والأول أظهر فهو أمر بالهجرة . أي ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا . الماوردي : يحتمل أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق ؛ لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه ورزق الله واسع وهو أشبه ؛ لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان .

قلت : فتكون الآية دليلا على الانتقال من الأرض الغالية ، إلى الأرض الراخية ، كما قال سفيان الثوري : كن في موضع تملأ فيه جرابك خبزا بدرهم .

قوله تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " أي بغير تقدير . وقيل : يزاد على الثواب ؛ لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب . وقيل : " بغير حساب " أي بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعيم الدنيا . و " الصابرون " هنا الصائمون ، دليله قوله عليه الصلاة والسلام مخبرا عن الله عز وجل : ( الصوم لي وأنا أجزي به " قال أهل العلم : كل أجر يكال كيلا ويوزن وزنا إلا الصوم فإنه يحثى حثوا ويغرف غرفا ، وحكي عن علي رضي الله عنه . وقال مالك بن أنس في قوله : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " قال : هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها . ولا شك أن كل من سلم فيما أصابه ، وترك ما نهي عنه ، فلا مقدار لأجرهم . وقال قتادة : لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان ، حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ، وكذلك الصلاة والحج ، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر بغير حساب قال الله تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل ) . وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أد الفرائض تكن من أعبد الناس وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس ، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان يصب عليهم الأجر صبا ) ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " . ولفظ صابر يمدح به وإنما هو لمن صبر عن المعاصي ، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة قلت صابر على كذا . قاله النحاس . وقد مضى في " البقرة " مستوفى .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

ولما ثبت أن القانت خير ، وكان المخالف له كثيراً ، وكان أعظم حامل له على القنوت التقوى ، وكانت كثرة المخالف أعظم مزلزل ، وكان الإنسان - لما له من النقصان - أحوج شيء إلى التثبيت ، وكان التثبيت من المجانس ، والتأنيس من المشاكل أسكن للقلب وأشرح للصدر ، أمر أكمل الخلق وأحسنهم ملاطفة بتثبيتهم فقال : { قل } ولما كان الثبات لا يرسخ مع كثرة المخالف ، وتوالي الزلزال والمتالف ، إلا إذ كان عن الملك ، جعل ذلك عنه سبحانه ليجتمع عليه الخالق والأقرب إليه من الخلائق ، فقال : { يا عباد } دون أن يقول : يا عباد الله ، مثلاً تذكيراً لهم تسكيناً لقلوبهم بما علم من أن التقدير . قال الله ، وتشريفاً لهم بالإضافة إليه بالضمير الدال على اللطف وشدة الخصوصية ، وإعلاماً لهم بأنه حاضر لا يغيب عنهم بوجه : { الذين آمنوا } أي أوجدوا هذه الحقيقة ولو على أدنى حالاتها .

ولما كان الإحسان ربما جراً على المحسن ، أشار سبحانه إلى سداد قول العارفين " اجلس على البساط وإياك والانبساط " ونبه بلفت القول عن مظهر التكلم إلى الوصف بما يدل على أن العاقل من أوجب له الإحسان إجلالاً وإكباراً ، وأثمر له العطف والتقريب ذلاًّ في نفسه وصغاراً ، وخوفاً وانكساراً ، مما أقله قطع الإحسان فقال : { اتقوا ربكم } أي اجعلوا بينكم وبين غضب المحسن إليكم وقاية بأن تترقوا في درجات طاعته مخلصين له كما خلقكم لكم لا لغرض له ليرسخ إيمانكم ويقوي إحسانكم ، وهذا أدل دليل على أن الإيمان يكون مع عدم التقوى .

ولما أرشدهم بالاسم الناظر إلى الإحسان إلى أن يقولوا : فما لنا إن فعلنا ؟ قال مجيباً معللاً : { للذين أحسنوا } أي لكم ، ولكنه أظهر الوصف الدال على سبب جزائهم تشويقاً إلى الازدياد منه ، ولما كان العمل لا ينفع إلا في دار التكليف قال : { في هذه } باسم الإشارة زيادة في التعيين { الدنيا } أي الدنية الوضرة التي لا تطهر الحياة فيها إلا بالتقديس بعبادة الخالق والتخلق بأوصافه { حسنة } أي عظيمة في الدنيا بالنصر والمعونة مع كثرة المخالف وفي الآخرة بالثواب ، ويجوز أن يكون معنى { أحسنوا } أوقعوا الإحسان ، ومعلوم أنه في هذه الدنيا ، فيكون ما بعده مبتدأ وخبراً ، لكنه يصير خاصاً بثواب الدنيا ، فالأول حسن .

ولما كان ربما عرض للإنسان في أرض من يمنعه الإحسان ، ويحمله على العصيان ، حث سبحانه على الهجرة إلى حيث يزول عنه ذلك المانع ، تنبيهاً على أن مثل هذا ليس عذراً في التقصير كما قيل :

وإذا نبا بك منزل فتحول *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فقال : { وأرض الله } أي الذي له الملك كله والعظمة الشاملة { واسعة } ووجوده بعلمه وقدرته في كل أرض على حد سواء ، فالمتقيد بمكان منها ضعيف العزم واهن اليقين ، فلا عذر للمفرط في الإحسان بعدم الهجرة .

ولما كان الصبر على هجرة الوطن ولا سيما إن كان ثّم أهل وعشيرة شديداً جداً ، ذكر ما للصابر على ذلك لمن تشوف إلى السؤال عنه فقال : { إنما يوفى } أي التوفية العظمية { الصابرون } أي على ما تكرهه النفوس في مخالفة الهوى واتباع أوامر الملك الأعلى من الهجرة وغيرها { أجرهم بغير حساب * } أي على وجه من الكثرة لا يمكن في العادة حسبانه ، وذلك لأن الجزاء من جنس العمل ، وكل عمل يمكن عده وحصره إلا الصبر فإنه دائم مع الأنفاس ، وهو معنى من المعاني الباطنة لا يطلع خلق على مقداره في قوته وضعفه وشدته ولينه لأنه مع خفائه يتفاوت مقداره ، وتتعاظم آثاره ، بحسب الهمم في علوها وسفولها ، وسموها ونزولها ، ويجوز أن يكون المعنى أن من كمل صبره بما أشارت إليه لام الكمال - لم يكن عليه حساب ، لما رواه البزار وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ادع الله لي ، قال : " إن شئت دعوت الله فشفاك ، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك " ، قالت : بل أصبر ولا حساب علي .